الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ }

{ وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ } لما كان الانسان الذى غلت يده ولا يناول بها لغيره شيئاً، كانوا لعنهم الله بذلك، عن كونه تعالى ممسكا لا يعطى، كما يستعمل بسط اليدين كناية عن الجواد، والله تعالى منزه عن اليد وغلها وسائر الجوارح والجسيمة، أو كان اليهود القائلين لذلك مجسمة مثبتة للجوارح، فتكون الكناية فى لفظ مغلولة وحده، ومثلهولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك } وقيل معناه أنه فقير كقوله تعالىلقد كفر الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } لحقتهم سنة وجهد لكفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن كانوا أغنى الناس فقالوا { يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ } فكفروا باثبات اليد وبنسبته للبخل أو الفقر، أو باثبات الذل أو الفقر ولو نفوا اليد وذلك أنه لا يجوز لأحد أن يصف الله بما ينقص فى الظاهر ولو لم يرد معناه، فالكفر لازم لهم. ولو أرادوا بغل اليد عدم التوسعة عليهم بالرزق، وقائل ذلك فنحاص، ورضى غيره فنسب اليهم، وقيل المعنى مغلولة عن عذابنا لا يعذبنا نحن أبناء الله وأحباؤه. { غُلَّتْ أَيدِيهِمْ } فى جهنم الى أعناقهم، أخبار بأنها ستغل فيها، ولتحقق الوقوع بعد جعل غلها كأنه قد وقع، ويجوز أن يكون دعاء مصروفاً الينا، أى ادعوا أيها المؤمنون عليهم أن تغل أيديهم فى النار، جزاء على قولهم هذا، كذا ظهر لى، ثم رأيت بعض العلماء المتقدمين والحمد لله، وعبارة بعض أمر بالدعاء عليهم بأن تغل ويطرحوا فى النار. وقيل المعنى أمسكت أيديهم عن كل خير، وطردوا عن رحمة الله، وهو اخبار، وقال الزجاج انه اخبار عنهم بأنهم البخلاء وأنا الجواد الكريم، وقيل أمرنا الله أن ندعو عليهم بغل الأيدى فى الدنيا بالأسر، وفى الآخرة باغلال النار أو بالبخل والنكد، فكانت اليهود أبخل الناس وأنكدهم، وعندنا يجوز مثل هذا الدعاء على الكافر، وقيل لا يجوز فلا تفسر به الآية عند قائله الا ان أريد الدعاء بالخذلان المسبب للبخل والنكد، أو الدعاء بلازم البخل والنكد، وهو لصوق العار والتحدث عنهم بما يخزيهم ويمزق أعراضهم. وحاصله أنه وهو الزمخشرى منع الدعاء ولو على المشرك بما هو معصية. { وَلُعِنُوا بَمَا قَالُوا } أبعدوا عن الجنة، أو عذبوا بالقتل والجزية، اخبار عما يقع ولا بد، أو أمر بالدعاء عليهم باللعنة بسبب ما قالوه، اخبار عما يقع ولا بد، أو أمر بالدعاء عليهم باللعنة بسبب ما قالوه، ويجوز أن تكون ما مصدرية، ويجوز أن يتنازعا غلت ولعنوا فى قولهم بما قالوا، وقرىء باسكان عين لعنوا تخفيفاً من الكسر. { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } كناية عن سعة الانفاق فى الجملة، ولو ضيق عليهم فى وقت ولا اثبات فيه لليد الجارحة سواء أرادها اليهود فى قولهم يد الله، أو أراد الكناية عن تضييق الرزق، وذلك أن غاية ما يعطى السخى بمناولة أن يعطى بكلتا يديه، تقول العرب فلانا يعطى بكلتا يديه، وتريد التوسيع فى العطاء لا خصوص الكفين، فذلك هو بسبب التثنية، ولولا ذلك لقال بل يده مبسوطة وكفى، اذ ليس موصوفاً باليد الجارجة فتثنى.

السابقالتالي
2 3 4