الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ }

{ إِذْ قَالَ الحَوَارِيُّونَ } اذكر يا عيسى أو يا محمد أو اذ بدل من قيله، لأن الزمان الممتد يعتبر وحداً لأمر ما، كوقوع أشياء فيه، فيبدل منه بدل شىء أو متعلق بقالوا، وفى تعليقه بقالوا دلالة على أن قولهمآمنا واشهد بأنا مسلمون } ليس من تحقيق ورسوخ لقولهم ما ذكر الله عنهم بقوله عز وجل { يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَآءَ } فان من حقق الايمان، ورسخ فيه، لا يشك فى أن الله تعالى قادر على انزال المائدة من السماء، وعلى كل ممكن، ويدل على عدم التحقيق والرسوخ أيضاً وعلى أنهم شكوا قوله تعالى { قَالَ } أى عيسى. { اتَّقُوا اللهَ } من مثل هذا السؤال، فانه سؤال من شك وسؤال تعنيت، فمن لم يؤمن فانه سؤال لم يسأله أحد قبلكم، وقيل اتقوا الله فى أمره ونهيه ليعطيكم سؤالكم هذا. { إِن كُنتُم مُّؤمِنِينَ } بالله وكمال قدرته، أو ان كنتم مؤمنين بالله حقاً، فان من تحقق ايمانه يتحقق عنده أن الله قادر على انزال المائدة، أو ان كنتم مؤمنين بنبوتى، أو صادقين فى دعوى الايمان، وهذا قريب من الوجه الثانى وكل واحد من الأوجه يستلزم الباقية. وقيل ليس قوله { هَلْ يَسْتَطِيعُ } شكاً فى قدرة الله، بل معناه هل يكون فى حكمة الله وارادته أن ينزل علينا مائدة من السماء، وكان لفظ الكلام بلفظ يستطيع، لأن الحكمة والارادة اذ كانتا فى شىء لله كانت الاستطاعة، ومثله قولك تأدبا هل تقدر أن تذهب معى لمن علمت أنه يقدر أن يذهب معك؟ أى هل تريد الذهاب معى وتراه صواباً، واختار بعضهم هذا. وقيل المعنى هل يحييك ربك من استطاع بمعنى أطاع، أى أجاب كاستجاب، بمعنى أجاب وعليه يحمل ما ورد فى بعض الآثار من أطاع الله أطاعه الله، أى سخر له ما يحب، وما فى قراءة بعضانما يخشى الله من عباده العلماء } برفع لفظ الجلالة ونصب العلماء أى أيعظمهم، وبهذا قالت عائشة رضى الله عنها اذ قالت هم أعلم من ذلك، ولكن أرادوا هل تقدر على ذلك منه، وقرأ الكسائى هل تستطيع ربك المثناة الفوقية خطاباً لعيسى، وادغام اللام فيها، ونصب ربك، أى هل تستطيع سؤال ربك أن ينزل علينا مائدة، فيكون فى هذه القراءة أن ينزل معمولا للسؤال المقدر، والمائدة الخوان اذا كان عليه الطعام من ماد الماء وغيره يميد اذا تحرك، كأنها تحرك جانباً لامتلائها، أو من مادة اذا أعطاه كأنها تعطى من تقدم اليها كما تقول شجرة مطعمة، وأطعم النخل وتغلبت عليه الاسمية.