الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

{ فَاصْبِرْ } على أذى قومك* { كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ } أصحاب { الْعَزْمِ } الجد والثبات والصبر والحزم* { مِنَ الرُّسُلِ } على أذى قومهم ومن للبيان فأولو العزم هم الرسل جميعاً. هذا قول ابن زيد من علماء الاندلس وعليه الرازي وعن بعض الأنبياء كلهم أولو العزم الا يونس لعجلة كانت فيه قالولا تكن كصاحب الحوت } ولا آدم بقوله تعالىولم نجد له عزماً } ويجوز أن تكون من للتبعيض فأولو العزم بعض الرسل فقط فقيل أصحاب الشرائع اجتهدوا في تأسيسها وتقريرها وصبروا على تحمل مشاقها ومعاداة الطاغين فيها ومشاهيرهم نوح وابراهيم وموسى وعيسى. وقال الكلبي هم الذين جمروا بالجهاد وأظهروا العداوة للأعداء وقيل ثمانية عشر في قولهوتلك حجتنا آتيناها ابراهيم } الخفبهداهم اقتده } وقيل ستة ذكرت نسقاً في الاعراف والشعراء نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى وقيل خمسة نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام. قلت لا يصح هذا تفسيراً في الآية لانه قال { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ } وانما يعد سيدنا محمد منهم خارج الآية لأنه كان كما أمره الله ولهذا فسر قتادة وابن عباس الأية بالأربعة فقط وقرنهم بمحمد فيومنك ومن نوح } الخ وفيشرع لكم } الخ وقال مقاتل ستة صابرون عل البلاء نوح صبر على بلاء قومه يضربونه بالحجارة حتى يغشى عليه وابراهيم على النار وذبح ولده واسحاق على الذبح ويعقوب على فقد ولده وبصره ويوسف على الجب والسجن وأيوب على الضر. وزاد الزمخشري موسى قال له قومهانا لمدركون قال كلا ان معي ربي سيهدينِ } وداود بكى على خطيئته أربعين سنة وعيسى لم يضع لبنة على لبنة وقال انها معبرة فاعبروها ولا تعمروها. قال النبي صلى الله عليه وسلم " يا عائشة ان الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد، يا عائشة ان الله لم يرض من أولي العزم الا الصبر على مكروهها والصبر على محبوبها ولم يرض الا أن كلفني ما كلفهم فقال { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل } واني والله لا بد لي من طاعته والله لأصبرن كما صبروا ولأجتهدن ولا قوة الا بالله " وقوله ولا قوة الا بالله استثناء ليمنه* { وَلاَ تَسْتَعْجِلْ لَّهُمْ } لكفار قريش بالعذاب فانه نازل بهم في وقته لا محالة كأنه ضجر بعض الضجر فأحب نزول العذاب فقيل له ذلك* { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ } من العذاب وذلك يوم القيامة* { لَمْ يَلْبَثُواْ } في الدنيا* { إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } وذلك لطول عذاب الآخرة وشدته حتى صار عمرهم والبرزخ كساعة استقصروا ذلك حتى يحسبوه ساعة والمنقضي من الزمان عدم وعذاب الآخرة دائم. قال الغزالي اعلم ان صاحبك الذي لا تفارقه في حضرك وسفرك ونومك ويقظتك وحياتك وموتك هو ربك ومولاك وسيدك وخالقك ومهما ذكرته فهو جليسك اذا قال أنا جليس من ذكرني ومهما انكسر قلبك حزناً على تقصيرك في حق دينك فهو صاحبك وملازمك اذ قال أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي فلو عرفته يا أخى حق معرفته لاتخذته صاحباً وتركت الناس جانباً فان لم تقدر على ذلك في جميع أوقاتك فاياك أن تخلي ليلك ونهارك عن وقت تخلو فيه بمولاك وتتلذذ بمناجاته وعند ذلك فعليك بأدب الصحبة مع الله وأدبها اطراق الطرف وجمع الهم ودوام الصمت وسكون الجوارح ومبادرة الأمر واجتناب النهي وقلة الاعتراض على القدر ودوام الذكر باللسان وملازمة الفكر وايثار الحق والياس من الخلق والخضوع تحت لهبه والانكسار تحت الحيا والسكون عن حبل الكسب ثقة بالضمان والتوكل على فضل معرفة يحسن اختياره وهذا كله ينبغي أن يكون شعارك في جميع ليلك ونهارك فانه آداب الصحبة مع صاحب لا يفارقك والخلق يفارقك في بعض أوقاتك* { بَلاَغٌ } أي في ذلك الاخبار بلاغ فالمحذوف الخبر وذلك الذي وعظتم به بلاغ والقرآن بلاغ فالمحذوف المبتدأ وكذا ان قيل السورة بلاغ وقيل بلاغ مبتدأ وخبره لهم وما بينهما اعتراض والمعنى عليه لهم وقت يبلغون اليه كأنهم اذا بلغوه ورأوا ما فيه استقصروا مدة عمرهم وعلى ما أقبله البلاغ الكفاية أو التبليغ من الرسول ويؤيده انه قرئ بلغ على الامر متصلاً بما بعده وقرئ بلاغاً أي بلغ بلاغاً.

السابقالتالي
2