الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ }

{ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً } الهمزة مما بعد الفاء أو من محذوف أي أنهملكم فنضرب والاستفهام انكاري ونضرب معناه نبعد وننجى استعار الضرب بمعنى الطرد للتنحية والابعاد بعد تشبيه حالة التنحية والابعاد بطرد نحو الناقة عن الحوض أولاً مجاز بل بمعنى مطلق الترك والاعراض عن الشيء تقول ضرب عن كذا واضرب أي اعرض والذكر الدعاء الى الله والتذكير بعذابه والتخويف من عقابه. وقال أبو صالح العذاب نفسه وقال الضحاك ومجاهد القرآن وقيل الوحي والقرآن و { صَفْحاً } مصدر صفح بمعنى أعرض مفعول لأجله أي أفنعزل عنكم انزال القرآن والزام الحجة به اعراضنا عنكم أو ظرف مكان بمعنى جانب أي أفننحيه عنكم جانباً ويؤيده قراءة { صَفْحاً } بضم الصاد ويجوز فى هذه القراءة أن يكون حالاً جمع صفوح بفتح الصاد أصله صفح بضم الصاد والفاء وسكنت الفاء تخفيفاً أي صافحين معرضين وذلك انكار أن يكون الأمر على خلاف ما قدم من انزال الكتاب قرآناً عربياً ليعقلوه ويعملوا بموجبه أو { صَفْحاً } مفعول مطلق قال بعض نضرب نمسك وصفحاً امساك والذكر القرآن أي نمسكه عنكم فلا نأمركم ولا ننهاكم وعن ابن عباس ومجاهد ان صفحاً بمعنى العفو والغفران للذنوب كأنه يقول أفترك تذكيركم وتخويفكم عفواً عنكم وغفراً لاجرامكم وقال قتادة وغيره صفحاً بمعنى مفعولاً عنه أي نتركه يمر لا تؤخذون بقبوله ولا بتدبره فكان المعنى أفنترككم سدى؟. وعن قتادة والله لو كان هذا القرآن رفع حين رده أوائل الأمة لهلكوا ولكن بلفظه ورحمته كرره عليهم عشرين سنة أو ما شاء الله وما سبق كونه يكون لا محالة. عن ابن عباس أول ما خلق الله القلم فقال أكتب قال رب وما أكتب؟ قال ما هو كائن فجرى القلم بما هو كائن الى يوم القيامة قال فأعمال العباد تعرض كل يوم اثنين ويوم خميس فيجدونها على ما هو فى الكتاب { أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } مكثرين الذنوب وقيل مشركين بكسر همزة ان عند نافع وحمزة والكسائي وهي شرطية جوابها دل عليه ما قبلها وانما أتى بان الشرطية الدالة على الشك مع ان اسرافهم مقطوع به اخراجاً لمحقق مخرج المشكوك فيه استجهالاً بهم كما يقول الأجير ان كنت عملت لك فوفني حقي وهو عالم بذلك ولكنه يخيل في كلامه ان تفريطك فى الخروج عن الحق فعل من له شك في الاستحقاق مع وضوحه استجهالاً له أو لقصد التوبيخ وتصوير ان الاسراف من العاقل في هذا المقام يجب أن لا يكون الا على سبيل الغرض والتقدير كالمحال لاشتمال المقام على الآيات الدالة على أن الاسراف لا ينبغى صدوره عن العاقل فهو كالمحال والمحال وان قطع بعدم وقوعه ولكن تستعمل فيه ان الموضوعة للشك لتنزيله فنزلت ما لم يقطع بكذبه قصداً للتبكيت وقرأ الباقون بفتح الهمزة فان حرف مصدر ولام التعليل مقدرة وهى تعليل لما قبلها على معاينة منها قولك أفترك الوحى والأمر والنهي لكونكم قوما مسرفين لا نفعل ذلك قرئ اذ كنتم باذ التعليلية وهذه القراءة مؤيدة للتي قبلها ويجوز عند الكوفيين كون ان هذه المفتوحة شرطية وقبله ابن هشام ويؤيده وقوعها في محل المقصورة فى القراءة الأخرى.