{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ } ما جاز له شرعا ولا عقلا وما لاق حاله. { أَن يَقْتُلَ مُؤمِناً } موحدا لم يظهر منه اسرار الشرك. { إِلا خَطَئاً } مثل أن يرمى مشركا فيصيب مؤمنا أو يرمى صيدا أو يعمل فى حاجة له فيصيب مؤمنا، أو رمى مشركا فى علمه، فاذا هو مؤمن، وذلك فى القتل ابتداء، وأما القتل قصاصا أو لزنى أو موجب قتل فمعلوم جوازه من الآى الآخر، ونصب خطأ على أنه مفعول لأجله، أو حال أى ذا خطأ أو مخطئا، أو كان نفس الخطأ لتمحص الحال عن شوب شىء ما من العمد، أو مفعول مطلق أى الا قتل خطأ أو الا قتل خطأ على النعت بالمصدر، ولا يخفى أنه لا يقال انه يحل قتل المؤمن خطأ، بدليل أن عليه الدية والكفارة، فما صح المعنى الا على أن يقال ما لاق بمؤمن قتل مؤمنا الا خطأ. وقيل النفى بمعنى النهى والاستثناء منقطع، أى لا تقتل أيها المؤمن مؤمنا آخر، لكن ان قتله خطأ فلا ذنب عليه، بل يلزمه ما يلزمه ومن قتل مؤمنا خطأ.. الخ، وهذا هو اللازم له. وفى هذا القول بعض تكليف ارتكبه قائله ليتخلص به عما يتوهم من أنه يجوز القتل خطأ، وقرىء خطاء بالمد، وقرىء خطى كفتى قلبا للهمزة ألفا تخفيفا، وروى أن عياش بن أبى ربيعة، وكان أخا أبى جهل لأمه قد أسلم وهاجر خوفا من قومه الى المدينة، وذلك قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة، فأقسمت أمه لا تأكل ولا تشرب، ولا يؤويها سقف حتى يرجع، فخرج أبو جهل ومعه الحارث بن زيد بن أبى أنيسة، فأتياه فتلطف له أبو جهل وقال أليس محمد يحثك على صلة الرحم، فانصرف وبر أمك، وأنت على دينك حتى نزل فذهب معهما فلما فسحا عن المدينة كتفاه وجلده كل واحد مائة جلدة، فقال للحارث هذا أخى، فمن أنت يا حارث لله ان وجدتك خاليا أن أقتلك. وقدما به على أمه فحلفت لا يحل كتافه أو يرتد ففعل، ثم هاجر بعد ذلك وأسلم الحارث وهاجر، فلقيه عياش بظهر قباء، ولم يشعر باسلامه فقتله، ثم أخبر باسلامه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قتلته ولم أشعر باسلامه، فنزلت الآية، وخص المؤمن بالذكر فى قوله { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ } لأنه المعتبر الخائف من عقاب الله تعالى، الذى يتأثر بكلام الله جل وعلا، وكذا خص المقتول فى الذكر بكونه مؤمنا، لعظم شأنه، والا فالذمى والمعاهد لا يجوز قتلهما أيضا الا أن كان قد أخطأ القاتل، كما ذكر المشرك بعد. وقيل أن الحارث أيضا أخ لعياش لأمه كأبى جهل، وانهما لما أتيا عياشا أخبره بما قالت أمه، من كونها لا تأكل ولا تشرب ولا يضلها سقف حتى يرجع، وأعطياه عهد الله لا يكرهانه على ما يحول بينه وبين دينه، وأنه لما وصل مكة حلفت أمه لا يحل حتى يرتد وتركوه فى الشمس حتى ارتد لهم، وأن الحارث أتاه بعد ذلك فقال له إن كنت على هدى فقد تركته الآن، وان كان ضلالة فقد كنت على ضلالة، فغضب عياش لقوله هذا فحلف لا يلقاه خاليا الا قتله، فقتله بظاهر قباء، فسأل فنزل على حد ما مر.