الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً }

{ مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً } انضم انضمامة حسنة الى انسان منفرد ومسلم أو مظلوم، فصار به شفعا فى دفع ضر أو جلب نفع، قصدا لوجه الله، مثل أن ينصر المظلوم ويعين من هو على الحق، ومثل أن تمضى جماعة الى الجهاد شفعا كانت أو وترا فانها كشىء واحد، فرد فى التقدم، ثم يتبعها أحد فانه ثان لها فيكون شفعا لها. { يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنهَا } يكن له حظ عظيم فى الآخرة يتحصل له بشفاعته، أو يصدر منها فمن للابتداء أو السببية لا للتبعيض، فانه يكون له ثواب شفاعته كلها لا بعضها فقط، وتنكير النصيب التعظيم كما رأيت، قال صلى الله عليه وسلم " من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له وقال له الملك ولك مثل ذلك " وفى رواية " من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك آمين ولك مثل ذلك " فى روايات ذكرت فى كتب الحديث، فهذا الدعاء معدود فى الشفاعة الحسنة، وفسر الشفاعة بعض به فى الآيات وبعض بالاصلاح بين الناس. { وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِنْهَا } حظ عظيم منها، وما عظمه الا لعظم عذاب الآخرة، والا فلا زيادة للسيئة على مثلها، وقد قيل النصيب فيما يقل ويكثر والكفل، ولكن لا يطرد هذا، وقد تكلمت عليه فى غيره هذه الآية، ويستعمل الكفل فى الشر والخير، كما استعمل فى الشر وفى الخير فى قوله تعالىيؤتكم كفلين من رحمته } وروى أن مسروقا شفع شفاعة حسنة، فأهدى اليه المشفوع له جارية، فغضب وردها وقال لو علمت فى قلبك لما تكلمت فى حاجتك، ولا أتكلم فما بقى منها. قال أبو امامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من يشفع شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا " قلت فاذا كان قصد المشفوع له بما شفع له فيه شيئا محرما فأهدى للشافع هدية فقبلها بعد ما علم بقصده، صار بقبولها ممن شفع شفاعة سيئة، لأن الشفاعة السيئة الانضمام الى فاعل المحرم يفعل مثله أو يعينه بشىء ما كالانضمام الى المتخلف والمنافق فى التخلف، والنفاق وكعذرهما وتصويبهما، وكقتال المؤمنين، وكاعانة الظالم، وتصويب المبطل، وغير ذلك، وقد فسرها بعض بالنميمة، وبعض بدعاء اليهود على المسلمين، فانهم شفع لذلك للمشركين وبعض بقتال المؤمنين، فان قتال الكافر لهم شفع لكفره. { وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَىءٍ مُّقِيتاً } قادرا يقال أقات على الشىء، أى قدر عليه، قال زبير بن عبد المطلب
وذى ضغن كففت السوء عنه وكنت على اساءته مقيتا   
وفى رواية كففت الضغن عنه، وقال السموءل
الى الفضل أم على اذا حو سبت أنى على الحساب مقيت   
ولعله أراد بالاستفهام، وفيه ياء المتكلم، فحذف همزة الاستفهام للضرورة، لأنه لا دليل عليها الا من حيث انه لا يقوى على حساب الله أحد، أو هوانى بإلف، أى كيف مقيت أو من أين مقيت، وذلك تفسير ابن عباس، وقيل المقيت الشهيد، وقيل الحفيظ، وهو مشتق من القوت، فان القوت يقوى البدن ويحفظه، فكذا حفظ الشىء إبقاء له ولقوته، وقد فسر مقاتل بأنه الذى يعطى كل حيوان ما يقوته، والصحيح أنه القادر، فانه كذلك فى لغة قريش كما قال الكلبى.