الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً }

{ فَقَاتِلْ فِى سَبِيلِ اللهِ } يجوز أن تكون الفاء عاطفة على ليقتل فى سبيل الله، وأن تكون فى جواب شرط محذوف، أى ان تركوك وثبطوا عنك فقاتل فى سبيل الله ولو وحدك، فتنصر فان النصر بالله لا بالجنود. { لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ } حال من المستتر فى قاتل، أو مستأنف ونفسك مفعول ثان، والأول نائب الفاعل المستتر، وقرأ عبد الله بن عمر بالياء للمفعول كذلك، لكن بإسكان الفاء جزما بلا على أنها ناهية، والمعنى لا نكلفك بالنون على طريقة العرب فى نهيهم أنفسهم. وقرىء لا نكلف بالنون وكسر اللام، وضم الفاء، والجملة على القراءتين مستأنفة، والمعنى على كل قراءة أنك يا محمد غير مكلف بفعل أحد، بل بفعل نفسك، والنصر تابعك، فلا تهتم بقعودهم عن القتال. وروى ـ كما مر ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واعد أبا سفيان بعد أحد موسم بدر الصغرى من عام قابل، أو فى ذى القعدة، ولما بلغ الميعاد دعى الناس الى الخروج، فكره بعضهم، فأنزل الله تعالى { فَقَاتِلْ فِى سَبِيلِ اللهِ } الآية فحلف ليخرجن للقاء العدو ولو وحده، ولأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتى، فخرج وما خرج معه الا سبعون راكبا، والصحيح أنهم خرجوا معه وهم خمس عشرة ومائة فيهم عشرة أفراس، حتى وصلوا موضع الميعاد، ولم يلقوا أحدا، وتسامعت العرب بمجيئه، وباعوا واشتروا، ورجعوا سالمين رابحين، وعاب الله كل من تخلف، ولزم كل أحد أن يرغب فى الجهاد، ويستشعر أن يجاهد ولو وحده، كما رغب أبو بكر رضى الله عنه وقت الردة حتى قال لو خالفتنى يمينى فجاهدتها بشمالى. وقد قيل ان الخطاب فى اللفظ لرسول الله، والمعنى أمته واحدا واحدا، وكل أحد يكلف أن يجاهد بنفسه. { وَحَرِّضِ المُؤمِنِينَ } حثهم على الجهاد بذكر الثواب والعقاب، فعليك تحريضهم فقط دون القهر ودون التعنيف. { عَسَى اللهُ أَن يَكُفَّ بَأسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأسًا } قال عكرمة وغيره عسى من الله واجبة بفضله ووعد الجميل، بمعنى أنها جزم ولا واجب على الله، بل الوجوب فى حقه بمعنى أنه لا يصح أن يوصف بخلف الوعد أو الوعيد، وقد وقع ما وعد الله به من كف بأس الذين كفروا، وهم فى الآية مشركو قريش، وبأسهم حربهم، أو مطلق ضرهم، ومنه حربهم، وقد كف الله عز وجل أبا سفيان عن موعده، فلم يأت بدرا الصغرى، وبأس الله ضره من شاء من الكفار، أو حربه بأن سمى ضره وعقابه باسم الحرب للمشاكلة، أى والله أشد مجازاة لهم على حربهم حيث ما وقع، وأنى وقع قبل وبعد، وبأس الله عقابه فى الدنيا، وعقابه فى الآخرة. { وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } تعذيبا بأنواع العذاب، وفى ذلك تهديد لمن تحلف خوفا من حرب الكفار، مع أن عذاب الواجب على من ترك المفروض أعظم من الحرب، أو رغب فى الانضمام الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه واتباعهم فى الجهاد، وعن الانضمام الى من يتخلف أو ينافق لقوله { مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً }