الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً }

{ وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ } هذه الجملة حال من المستتر فى لكم. { فِى سَبِيلِ اللهِ } يعم أبواب الخير. { وَالمُسْتَضعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ } بيان للمستضعفين حال منه. { وَالنِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ } أى فى شأن سبيل الله، وشأن المستضعفين، فشأن سبيل الله اعلاء دين الله، وشأن المستضعفين تخليصهم من المشركين يصدونهم عن دين الله، ويؤذونهم، والظرفية مجازية، ويجوز أن تكون فى معنى لام التعليل، أى لسبيل الله على حذف مضاف، أى لاعلاء دين الله وتخليص المستضعفين. ويجوز أن لا يقدر مضاف اكتفاء بالأول، على أن المعنى وسبيل المستضعفين وسبيلهم هو تخليصهم من المشركين فى مكة، فان تخليصهم من أعظم الخير وأخصه حتى أنه يجوز نصب المستضعفين، أى وأخص المستضعفين من عموم سبيل الله لعظم تخليصهم، ودخل فى المستضعفين المقيمون فى مكة والأسارى فيها قال صلى الله عليه وسلم " أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العانى ". قال ابن عباس فى هذه الآية كنت أنا وأمى من المستضعفين الذين عذر الله، من الولدان، وأمى من النساء، والولدان جمع ولد وهو الصبى، وقيل جمع وليد، فالمراد بهم العبيد والإماء لا يقال للعبد وليد، وللأمة وليدة، والجمع فيهما الولدان للوليد، وغلب الذكور هنا فسمى الذكور والاناث معا الولدان، وكلام ابن عباس يدل على الأول، ويكون الرجال والنساء وبمعنى الأحرار والحرائر البالغين، والأطفال والولدان العبيد، والاماء ولو بلغوا على هذا. وكذا كان العرف عند الناس، وذكر الولدان مع أنهم ليسوا ممن يقصد فى العادة بالأذى، سواء بمعنى الصبيان أو بمعنى العبيد والاماء للمبالغة فى الحث على قتال من يضر من ليس من شأنه أن يقصده الناس بالأذى، وكان مشركو مكة حينئذ يضرون الصبيان والعبيد، اما بالكلام أو الضرب ارغاما لآبائهم وأمهاتهم وساداتهم، وللتنبيه على تناهى ظلمهم اذ كانوا يضرون هؤلاء، لأن الدعوة أجيبت بسبب مشاركة الأضعفين فيها الصبى، والعبد والأمة، إذ قلوبهم قد ترق للصغر وامتهان العبودية، ولأنه لا ذنب للصبى، ولعظم مشقة العبادة على العبيد، لأن عليهم طاعة الله جل وعلا وطاعة ساداتهم، وقد وردت السنة باخراج الصبيان فى الاستسقاء. وكان المستضعفون البلغ يشركونهم فى الدعاء، وكذا قوم يونس شركوهم فيه فأجيبوا بهم مع نصوح التوبة. { الَّذِينَ } نعت للمستضعفين أو للرجال وما بعده على تغليب الرجال والولدان فى تذكير ضمير الصلة التى هى قوله { يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجنَا مِنْ القَرْيَةِ } مكة، وهذا نص فى أن الولدان دعوا، وقد علمت أن الولدان معطوف على الرجال أو على النساء، وأنهم من جملة المستضعفين، فلا حاجة الى أن يقال انهم ليسوا من المستضعفين، وانهم وعطفوا على المستضعفين وذلك أنهم يؤذون كما يؤذى غيره فذلك استضعاف.

السابقالتالي
2