الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }

{ وَمَا أَرسَلنَا مِن رَّسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذنِ اللهِ } أى لتطيعه أمته فيما يأمرهم به من طاعة الله، بأمر الله لهم أن يطيعوه، فطاعة الرسول طاعة لله، فكيف تخالفون ـ أيها المنافقون ـ حكمه، وترغبون فى غيره، فقد استوجبتم القتل بكفركم به فى قلوبكم، وبمعاندتكم من أرسله الله ليطاع، وقيل باذن الله بمعنى بعلمه وقضائه بطاعة من يطيعه، والباء يتعلق بيطاع. { وَلَو أَنَّهُم إِذ ظَّلَمُوا } بالنفاق والتحاكم الى الطاغوت. { أَنفُسَهُم } أى ولو ثبت أنهم الخ، وإذ متعلق بخبر أن وهو قوله { جَآءُوكَ } أى ولو ثبت مجيئهم بالتوبة إذ ظلموا أنفسهم اليك، واستغفارهم الله، واستغفار الرسول لهم كما قال { فَأستَغفَرُوا اللهَ وَاستَغفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ } مقتضى الظاهر أن يقال فاستغفرونا واستغفرت لهم بالاضمار لكان أظهر، ليذكر نفسه بلفظ الجلالة الجامع للكمالات التى منها قبول اعتذار المعتذر، التائب، ويذكر نبيه باسم الرسول، اشارة الى أن من شأن الرسول قبول التوبة والاعتذار، ويفحمه باسم الرسول. { لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا } قابلا للتوبة قبولا عظيما كثيرا. { رَحِيمًا } منعما عليهم فى الدنيا والآخرة رحمة عظيمة كثيرة، ووجد بمعنى صادف، فيكون توابا حالا، ورحيما حالا ثانية، أو حالا من الضمير فى توابا، وأجيز أن يكون بدلا من توابا، ولكن البدل بالمشتق ضعيف، أو وجد بمعنى علم، فتوابا مفعول ثان، ورحيما مفعول ثان متعددا، أو حال من ضمير توابا، أو بدل على ما مر. وقال الشيخ هود رحمه الله عن الحسن " إن قوما من المنافقين اتفقوا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمكر، ثم دخلوا عليه لأجل ذلك، فأتاه جبريل عليه السلام وأخبره بذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن قوما دخلوا على يريدون أمرا لا ينالونه فليقوموا ليستغفروا الله حتى أستغفر لهم " فلم يقوموا فقال " قوموا " فلم يفعلوا، فقال عليه الصلاة والسلام " قم يا فلان قم يا فلان " حتى عد اثنى عشر رجلا منهم، فقاموا وقالوا كنا عزمنا على ما قلت، ونحن نتوب الى الله عز وجل من ظلم أنفسنا، فاستغفر لنا. فقال " الآن اخرجوا ما كنت فى بدء الأمر أقرب الى الاسغفار، وكان الله أقرب الى الاجابة اخرجوا عنى ". قال العتبى كنت جالسا عند قبر النبى صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابى فقال السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله تعالى يقول { وَلَو أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } وقد جئتك مستعفيا من ذنوبى، ومستغفرا الى ربى وفى رواية مستغفرا من ذنوبى، مستشفعا بك الى ربى ثم أنشأ يقول
يا خير من دفنت فى التراب أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسى الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم   
ثم انصرف، فحملتنى عيناى فرأيت النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا أعرابى الحق الأعرابى فبشره أن الله قد غفر له.