الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً }

{ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ } الذى بدل من " من " لا نعته، لأن من الموصولة لا تنعت بمعرفة ولا نكرة، وإن جعلت نكرة موصوفة فالمعرفة لا تبدل من النكرة أو خبر لمحذوف أو منصوب لمحذوف على الذم، أى هم الذين يبخلون، أو أعنى الذين، أو مبتدأ خبره محذوف، أى { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ }. { وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } أحقاء بكل ملامة، وقرأ حمزة والكسائى البَخَل بفتح الباء والخاء هنا وفى سورة الحديد، وهو لغة. وقرىء البخل بضمها. وقرىء البَخْل بفتح الباء وسكون الخاء والآية نزلت فى كردم بن زيد، وحيى بن أخطب ورفاعة بن زيد، وأسامة ابن حبيب، ونافع بن أبى نافع، ويحيى بن عمرو، وهو من اليهود. قال ابن عباس كانوا يقولون لزال من الأنصار يخالطوهم لا تنفقوا أموالكم فانا نخشى عليكم الفقر ولا تدرون ما يصير إليه أمر محمد تنصحاً منهم، لعنهم الله، ويكتمون ما أعطاهم الله من المال لئلا يسألهم سائل، أو يطمع فيهم طامع، وليقل بحسب الظاهر، ما لزمهم من المال، وقيل نزلت فى علماء اليهود الذين يكتمون صفة رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فهم يبخلون بإظهارها ويأمرون بالبخل به، ويكتمونها، وقد أتاهم الله بيانها فى التوراة من فضله، وقيل المراد الأغنياء الذين كتموا الغنى وأظهروا الفقر بخلوا بالمال، ولا يؤدون حقه، والبخل فى نفسه عيب، فكيف من يأمر به بعد أن بخل، ومن أمثال العرب، كما فى الكشاف ما أبخل من الضنين بنائل غيره قال الشاعر
وإن أمرأ ضنت يداه على امرء بنيل يد من غير لبخيل   
قال ولقد رأينا ممن بلى بداء البخل، من إذا طرق سمعه أن أحداً جاء لى أحد شخص به وحل حبوته، واضطرب ودارت عيناه فى رأسه كأنما نهب رحله ومسرت خزائنه ضجراً، من ذلك وحسرة على وجوده. وعنه صلى الله عليه وسلم " إذا أنعم الله على عبد نعمة أحب أن يرى أثر نعمته على عبده " وبنى عامل الرشيد قصراً حذاء قصره فنم به عنده، فقال الرجل يا أمير المؤمنين إن الكريم يسره أن يرى أثر نعمته فأحببت أن أسرك بالنظر إلى آثار نعمتك، فأعجبه كلامه، وعنه صلى الله عليه وسلم " خصلتان لا تجتمعان فى مؤمن البخل وسوء الخلق ". و { مِن فَضْلِهِ } متعلق بأتى على أن من للابتداء أو لمحذوف حال من ماء أو العائد المحذوف على أنها تبعيضية، ويجوز الابتداء أيضاً. { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ } أى الذين جحدوا نعمته بالبخل والكتم، والمعصية ومقتضى الظاهر وأعتدنا لهم، ولكن وضع الظاهر موضع المضمر ليصفهم بأن بخلهم وأمرهم بالبخل وكتمهم كفر. { عَذَاباً مُّهِيناً } فى الآخرة يهينهم كما أهانوا النعمة بالإخفاء والكتم وعدم الشكر.