الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ ٱنتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً }

{ يَا أَهْلَ الكِتَابِ } خطاب للنصارى بعد ما خاطب اليهود وغيرهم، أو ما مر لليهود والنصارى، وما هنا كذلك. { لا تَغْلُوا فِى دِينِكُمْ } أى فى الدين الذى ألزمكم الله الكون عليه، فاليهود غلت فى التقصير فى حق عيسى حتى قالوا انه لمزنى لعنهم الله حاشاه وحاشا أمه، والنصارى غلت فى رفعه حتى جعلوه إلهاً، وبعضهم ابن الله، وبعضهم ثالث ثلاثة، واستدل على أن المراد بأهل الكتاب النصارى بقوله تعالى { وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلا الحَقَّ } فان هذا فى حق الله وهو تنزيهه عن الشركة، وشبه الخلق فهو نقض لقولهم ان عيسى إله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة، وولهم بحلول الله فى بدن الانسان، تعالى الله، والنبوة تستلزم اتخاذ الصاحبة والقائلون بأن أهل الكتاب فى الآية اليهود والنصارى. يجيب بأن انكار اليهود نبوة عيسى، ورميه بما رموه به من القول بغير الحق على الله، والحق مفعول به لتقول، لأن القول يجوز أن ينصب المفرد الذى بمعنى الجملة، فان الحق هو قولك لا إله الا الله، وعيسى عبده ورسوله، ومحمد عبده ورسوله صلى الله وسلم عليهما، وقيل بنصبه ولم يكن بمعنى الجملة، ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف، أى الا القول الحق، وبعد ما نهاهم عن الضلالة فى أمر عيسى أرشدهم الى طريق الحق فى أمر عيسى بقوله { إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلقَاهَا } أوصلها. { إِلَى مَرْيَمَ } ومعنى كون عيسى كلمة الله أنه حصل فى بطن أمه بقدرته التى تنفعل لها الأشياء اذا توجهت اليها، وأنه كان بلا أب ولا نطفة، ومن قال فيه غير ذلك أشرك، وعيسى بدل أو بيان للمسيح، وابن مريم بدل من عيسى ونعته، ورسول الله خبر المسيح، أو ابن مريم خبر أول واختلفوا فى الابدال من البدل، وفى تعدده وألقاها حال من الكلمة على القول بجواز الحال من الخبر، ولو لم يكن مبتدأة اسم اشارة، وعلى المنع وهو الأصح فهو حال من ضمير فى كلمة لأنه بمعنى مكون وموحد بفتح الجيم، وقرأ جعفر بن محمد المسيح بكسر الميم وتشديد السين مكسورة. { وَرُوحٌ مِّنْهُ } أى من الله، أى أنه روح جاء من الله، أى هو روح ملك لله ومخلوقة له، بلا مادة نطفة للروح، بل روح مخترعة من الله جل وعلا، ومن للابتداء لا للتبعيض، ونسبته الى الله بقوله منه تشريف له وتخصيص بأنه من الله، لا من نطفة أب، ولذلك سمى روحا. وقيل سمى روحا لأنه يحيى الموتى، ويحيى القلوب بوعظه، وقيل الروح هو الذى نفخ به جبريل فى درع مريم، فكان عيسى فى بطنها، وذلك أن الروح والريح متقاربان، فريح النفخ هو روح، وقد قيل ان الله جل وعلا لما خلق الأرواح جعلها فى صلب آدم عليه السلام، وأمسك عنده روح عيسى عليه السلام، ولما أراد خلقه أرسله مع جبريل عليه السلام الى مريم، فنفخه فى درعها، ولذلك قال منه، وقيل منه بمعنى أن النفخ من الله بواسطة جبريل، فقال منه لأنه بأمر الله تبارك وتعالى.

السابقالتالي
2 3 4