الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ } خطاب للناس كلهم العرب والعجم، أهل الكتاب وغيرهم، وقيل المراد هنا أهل مكة. { قَدْ جَآءَكُمُ الرَّسُولُ بِالحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ } بالحق حال من الرسول، أى ملتبسا بالحق، فالباء للمصاحبة أو متعلق بجاء، فالباء للسببية، ومن ربكم حال من الحق لا متعلق بجاء، لأن الله سبحانه لا يحده مكان يجىء منه رسول الله صلى الله عليه وسلم الا على تقدير جاءكم من أمره، فيجوز حينئذ تعليقه بجاء، والرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والحق دين الاسلام أو القرآن أو الدعاء الى الله. { فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ } قال الفراء أى ايمانا خيرا لكم من الايمان الذى دونه، ومن الشرك والايمان الذى هو أفضل لهم الايمان باللسان والقلب، واتباع الجوارح، وأما الايمان باللسان فلو ادعوا أن فيه فضلا لكن لا ينفعهم فى الآخرة، وكذا الشرك زعموا أن فيه فضلا، ولكن لا فضل فيه عند التحقيق، وعند بادىء النظر، أو خرج خبرا عن التفضيل، أو هو بمعنى منفعة أو أريد بآمنوا ذلك الايمان التام ووصفه بخير أتى كبيرا أو الثناء على الايمان. وقال الكوفيون خيرا خير لكون محذوف، أى لكن الايمان خيرا لكم، وفيه تكلف حذف الكون واسمه بلا تقدم، أن ولو الشرطيتين ولا سيما أن اسمه غير مستتر فيه، فيكثر الحذف، وانما قالوا غير مستتر وقدروه ظاهرا لأن الأصل أن لا يستتر، ويعود الى مصدر الفعل قبل، أى يكن هو أى الايمان والكون المقدر مجزوم فى جواب الأمر، والصحيح فى جواب الأمر أنه مجزوم لشرط محذوف صناعى مقدر، لا كما قيل غير صناعى، فيكون فى ذلك حذف الشرط والجواب والأداة، اللهم الا أن يقال يجعل الأمر كالنائب عنه، وقال البصريون مفعول محذوف أى ايتوا خيرا لكم، والجملة بدل من آمنوا لما أمرهم بالايمان أخبرهم بأنه خير لهم. { وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ للهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } أى فكفركم وبال عليكم، ولا يصله منه ضر، ولا من ايمان من آمن نفع، لأن لله ما فى نفس السماوات والأرض من الأجزاء، وما فيهما من غيرهما. { وَكَانَ اللهُ عَلِيماً } بخلقه وأحوالهم. { حَكِيماً } فى صنعه الذى دبره لهم، فلا يخفى عنه كفرهم ولا ايمانهم، ولا يهمل ثوابهم ولا عقابهم ولا بعض ذلك.