الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً }

{ لَّكِنَ اللهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ } الخ فهو استدراج على محذوف، وهو كلام غيره، وهو قولهم أنا سألنا عنك اليهود...الخ، أو يقدر ليس الأمر كما قالوا، ومثل ذلك ما روى عن ابن عباس رضى الله عنه أيضا أنه " دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود، فقال لهم أنى والله أعلم أنكم لتعلمون أنى رسول الله، فقالوا ما نعلم ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية " ، وقد علمت أن انزال الكتاب على انسان يوجب تنبئته وارساله، فكأنه قيل لكن الله يشهد بأنك رسول، وأنه أنزل عليك القرآن، وتصديق الشهادة بكونه معجزا لا يعارض أحدا الا انقطع. ووجه آخر أنه لما قالإنا أوحينا اليك كما أوحينا الى نوح } الآية، قالت اليهود ما نشهد لك بهذا، فنزللكن الله يشهد بما أنزل اليك } ، وقيل سبب نزولها قول اليهود ما أنزل الله على بشر من شىء، ويجوز أن يقدر محذوف من كلام الله تعالى يعود اليه الاستدراك على حسب انكار اليهود نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هكذا أنهم لا يشهدون، ولكن الله يشهد، أو أنهم أنكروا ولكن الله يشهد، وقرأ السلمى لكن الله يشهد بالتشديد والفتح. { أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ } يتعلق بمحذوف جواز، أو بمحذوف حال، وهو كون خاص، وصاحب الحال ضمير أنزل، أى ملتبسا بعلمه الخاص به، أعنى بالله وهو العلم تبالغه على وجه الاعجاز ملتبسا بعلمه بحال من يناسب النبوة لاخلاصه واجتهاده، ويتأهل له، ولا لكتب عليه أو حال من هاء أنزله أى حال كون الكتاب ملتبسا بعلم الله الذى يحتاج اليه الناس دنيا وأخرى، ويجوز أن يكون المعنى على كونه حالا من هاء أزله، ومن ضمير أنزل أنزله وهو عالم به حافظ له عن الشياطين برصد من الملائكة. وعن كل مغير له ولا دليل فيه للأشعرية فى قولهم الله عالم بعلم، اجعلوا صفات الذات غيره تعالى كصفات الفعل، وعندنا صفات الذات هو، فلزمهم تعدد القديم أو حدوث صفات الذات، وكونه ظرفا لها تعالى عن ذلك كله، فالعلم المذكور فى الآية وهو تعالى بمعنى أنه تعالى انكشفت الأشياء له، وكفى فى انكشافها له وجوده، وجملة أنزله بعلمه حال من ضمير يشهد أو خبر ثان، أو بدل مطابق لقوله { أَنزَلَ إِلَيْكَ }. { وَالمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ } انك رسول الله، لأنهم يشهدون بما شهد الله، وما فيهم من الفضائل انما يحصل لهم بأن أفاضه الله عليهم من غير نظر وتأمل، واليهود يحبون أن يعرفوا رسالته على وجه محسن، يعنى عن النظر والفكر، أو على وجه يفيضه الله عليهم كالملائكة، وليس للبشر ذلك، بل لا بد له من الفكر، فلو تفكروا بالنظر الصحيح لعرفوا رسالتك كما عرفتها الملائكة. { وَكَفَى بِاللهِ شَهِيداً } على رسالتك، ومن شهد الله تبارك وتعالى له والملائكة بصدقه، فلا أصدق منه، فلا تكترث يا محمد بتكذيب من كذبك، ومعنى شهادة الله بما علمه بها واخباره بها، وكذا الملائكة أو شهادته بها اثباتها بالمعجزات والكتاب المعجز.