الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً }

{ إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } مجازيهم على خداعهم، فسمى جزاء الخداع خداعا بتسميته للمسمى باسم سببه وملزومه، وفيه المشاكلة، وتقدم تفسير الخداع فى البقرة، والله لا يخادعه خادع، فيقدر مضاف أى يخادعون أولياء الله، أو حزب الله أو نحو ذلك، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن ابن عباس والحسن وابن جريج والسدى خدع الله اياهم على الحقيقة بأن يعطيهم يوم القيامة نورا كنور المؤمنين، فيطمئنون اليه ثم ينطفىء. { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى } غير ناشطين كمن أكره على الشىء، لأنهم لا يرجون لها ثوابا لانكارهم البعث اذ أضمروا الشرك، ولعدم رسوخ الايمان فيهم ان لم يضمروه، وقرىء بفتح الكاف وهو لغة تميم وأسد. { يُرَآءُونَ النَّاسَ } بصلاتهم، يتناولون أن يرى الناس أو يطلعوا لهم عليها بفعلها قصدا لمدحهم، ونفيا للتهمة. وعن قتادة والله لولا الناس ما صلى منافق، ويراءون يفاعلون خارج عن معنى المفاعلة، بل بمعنى التفعيل وهو لتفسيرهم الناس رائين، ويدل لهذا قراءة ابن أبى اسحاق يراءون الناس بتشديد الهمزة، وعدم ألف قبلها، ويجوز أن يكون المفاعلة على بابها، فان المرائى يظهر للناس عمله، ويظهرون له هم أيضا أنه حسن، والجملة حال من واو { قَامُوا كُسَالَى } مستأنفة. وقال أبو البقاء بدل من قاموا كسالى، ولعله بدل اشتمال، لأن القيام كسالى يلابسه الرياء بلا جزئية وكلية، وليس عينية، وكيفة بدل الاشتمال هو مما اشتمل عليه المبدل منه اشتمال الظرف على المظروف، بل ما بينه وبين المبدل منه ملابسة بغير الجزئية والكلية فلم يبطل كلام أبى البقاء. { وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلا قَلِيلاً } الا زمانا قليلا، أو ذكرا قليلا، لأنهم انما يذكرون الله اذا حضر الناس فى حين الذكر أو مكانه كوقت الصلاة فى المسجد، وكوقت اعتيد لذكر الله أو اتفق فيه ذكر الله، أو لأن ذكرهم باللسان فقط وهو قليل بالنسبة الى ذكر غيرهم بالقلب، وقيل الذكر الصلاة أى لا يصلون الا قليلا، وقيل الذكر فيها أى يقللون ذكر الله فى الصلاة، لأنهم لا يقرءون فيها ولا يعظمون، ولا يسبحون ولا يقرءون التحيات، ولا يقولون ما يقول الراكع من التعظيم بل يكبرون ويسلمون مع الناس بعد الامام فقط. قال ابن العربى فى قوله تعالى { وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلا قَلِيلاً } روى الأئمة مالك وغيره عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين يجلس أحدهم حتى اذا اصفرت الشمس وكانت بين قرنى الشيطان قام ينقر أربعا لا يذكر الله فيها الا قليلا ما أقام فيه الا قليلا " وقد بين تعالى صلاة المؤمنين بقولهقد أفلح المؤمنون الذين هم فى صلاتهم خاشعون } ومن خشع خضع واستم، ولم ينقر صلاته ولم يستعجل، انتهى. وعن ابن عباس سماه الله قليلا، لأنهم فعلوا لغير الله، ولو كان له لكان كثيرا ولو قل، وقيل لأن الله لم يقبله ولو قبله لكان كثيرا، ولا يجوز أن يراد بالقلة العدم، لأنه يتكرر مع قوله لا يذكرون، فلا يبقى للاستثناء فائدة كأنه قيل لا يذكرون الله الا عدم ذكر كمن قال فى الاثبات بعت هذه الشاة الا هذه، مشيرا للأولى فى كون كل مستثنى من نفسه، وأجازه فى الكشاف.