الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً }

{ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً } أى يتلفون أموال اليتامى بطعم أو شرب أو لبس أو قضاء ديونهم بها بلا تعويض لليتامى، أو بتضييعها، أو نحو ذلك ظلماً، أى بغير حق، أما بالحق كأكلها بالقرض وأخذها فيما صرفوا عنهم من أموالهم وأجرة عمل، وقضاء ما أفسدوا فى أموالهم التى لم يجعلوها فى أيديهم ونحو ذلك، فلا بأس. وظلماً حال بمعنى ذوى ظلم، أو ظالمين، أو تمييز غير محول، وقد يتكلف تحويله عن الفاعل بأن يسند الأكل إلى الظلم مجازاً، أى إن الذى يأكل ظلماً أموال اليتامى، أو مفعول مطلق، أى أكل ظلم. { إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً } أى أموالا تكون أسباباً للنار، أو أموالا سيردها الله ناراً، كما يرد الله ذهب وفضة من لا يزكيهما صفائح نار يكوى بها، فذلك من مجاز التسبب، أو مجاز الأول، وعن أبى برده، أنه صلى الله عليه وسلم قال " " يبعث الله قوماً من قبورهم تتأجج أفواههم ناراً " ، فقيل من هم؟ فقال " ألم تر أن الله يقول إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون فى بطونهم ناراً " وكذا قوله صلى الله عليه وسلم " رأيت ليلة أسرى بى قوماً لهم مشافر كمشافر الإبل، وقد وكل بهم من يأخذ بمشارفهم ثم يجعل فى أفواههم صخراً من نار، قلت يا جبريل من هؤلاء؟ قال الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً، إنما يأكلون فى بطونهم نار " وذلك لا يوجب تفسير الآية بمجاز الأول لجواز أن يكون نار محدثة، أو مخلوقة يوم القيامة، مما أكلوا. وعن السدى يبعث آكل مال اليتيم ظلماً يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه، ومن مسامعه وأذنيه، وعينيه، وأنفه يعرفه من رآه بآكل مال اليتيم، وروى والدخان يخرج من قبره ومن فيه. والأكل على الوجهين، فى الدنيا لأنهم يأكلون أموالا تكون سبباً للنار، أو ستصير ناراً فى بطونهم، ويجوز أن يكون الآكل يوم القيامة والمأكول ناراً عوضاً عن مال اليتامى، أو ناراً أصلها مال رده الله ناراً، وذلك غير الوجهين الأولين وليس من مجاز الأول. { وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } يدخلون ناراً عظيمة فالتنكير للتعظيم، وكذا تنكير النار فى قوله تعالى { إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً }. ولما نزل ذلك فى الأوصياء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً، وحكم غير الوصى، حكم الوصى تركهم الناس، فشق ذلك على اليتامى، فنزلوإن تخالطوهم فإخوانكم } وقرأ بعضهم سيصلون بالتشديد، وسيصلون بالتخفيف، وبنائهما للمفعول والأخيرة لابن عامر وابن عباس عن عاصم، و { سعير } بمعنى مسعورة، وتغلبت عليه الاسمية، يقال سعر ناراً بمعنى ألهبها.