الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }

{ اللهُ نَزَّلَ } ابتدأ بالله وأخبر بـ نزّل تفخيماً لأحسن الحديث ورفعاً له واستشهاده على حسنه وتأكيداً لاسناد التنزيل الى الله وأنه من عنده وأن مثله لا يجوز أن يصدر الا عنه وتنبيهاً على أنه وحي ومعجز مباين لسائر الاحاديث* { أَحْسَنَ الْحَدِيثِ } هو القرآن وأحسنيته من جهة اللفظ فانه أفصح الكلام وأبلغه وليس بشعر ولا كنثرهم ومن جهة المعنى فانه منزه عن التناقض والاختلاف مشتمل على أخبار الماضين والغيب والوعد والوعيد* { كِتَاباً } بدل من أحسن أو حال منه ولو جامداً لتأويله بـ مكتوباً ولو قيل لا يحتاج لتأويل لوصفه بقوله* { مُّتَشَابِهاً } يشبه بعضه بعضاً في الصحة والأحكام والبناء على الحق والصدق ومنفعة الخلق وتناسب ألفاظه واعجازه وتبكيته وتصديق بعضه لبعض* { مَّثَانِىَ } حال متعددة أو حال من ضمير متشابهاً أو نعت ثاني لكتاب أو حال منه أو تمييز لـ متشابهاً وهو جمع مثنى بالفتح فالسكون اسم مكان أي موضع الثني أي التكرار ليرسخ في النفوس فانها لنفورها عن الحق لا يؤثر فيها الا بالتكرار ولذلك كانت عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم تكرار الوعظ ثلاث مرات وسبعاً والمراد بالثني ما يعم التكرار أكثر من مرتين فلا يرد أنه كثيراً ما يعاد فيه لله حديث ثلاث مرات أو أكثر أو معنى الثني قرن الوعد بالوعيد والأمر بالنهي والرجاء بالخوف وهكذا كالخبر والحكم وقيل إنه يثني فى التلاوة فلا يمل بل يزيد حلاوة مع أن الطبع موكول بمعاداة المعاداة وهذا مما يخالف به غيره وان قلت كيف أطلق مثاني وهو جمع على كتاب؟ قلت هو تحليل الى كل أجزائه كقولك زيد أجزاء فهما بمعنى* { تَقْشَعِرُّ } أي ترتعد وتضطرب فاؤه القاف وعينه الشين ولامه العين والراء الأولى لام ثانية زائدة وقيل بالعكس وكذا أمثاله كما بينته في شرح اللامية وقيل أصوله القشع وهو الجلد اليابس وزيدت الراء مشددة ليدل على معنى زائد. { مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } تنقبض جلودهم عند ذكر الوعيد المخوف أو مطلق فلشدة حلاوة القرآن وقيل المراد بالجلود القلوب وقيل المراد التمثيل والكناية لشدة خوفهم والظاهر الأول. قال صلى الله عليه وسلم " اذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة ورقها " ، أي طاحت ووقعت. وروي " حرمه الله على النار " ، وقرأ أبيّ عن النبي فرقت قلوب فقال اغتنموا الدعاء عند الرقة فانها رحمة. قال عبدالله بن عروة بن الزبير لجدته أسماء بنت أبى بكر كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون اذا قرئ عليهم القرآن؟ قالت كما نعتهم الله تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم فقال لها ان أناساً اليوم اذا قرئ عليهم خر أحدهم مغشياً عليه فقالت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

السابقالتالي
2