الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ }

{ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ } الذنب بكى على خطيئته قيل ثلاثين سنة لا يرقى دمعه ليلاً ولا نهاراً وقيل أصاب الخطيئة وهو ابن سبعين سنة. قال وهب بن منبه قسم الدهر بعدها يوماً للقضاء ويوماً لنسائه ويوماً تسبيح في الجبال والفيافي والساحل ويوماً يخلو في دار له فيها أربعة آلاف محراب فيجتمع اليه الرهبان فينوح معهم على نفسه ويساعدونه على ذلك واذا كان يوم سياحته يخرج الى الفيافي ويرفع صوته بالمزامير فيبكي ويبكي الشجر والرمال والطير والوحوش حتى يسيل من دموعه ودموع الطير والوحوش مثل الأنهار ثم يجيء الى الجبال ويرفع صوته ويبكي فتبكي معه الجبال والحجارة فيرفع صوته ويبكي فتبكي معه الحيتان ودواب البحر وطير الماء فاذا أمسى رجع واذا كان يوم نوحه على نفسه نادى مناديه أن اليوم يوم نوح داود على نفسه فليحضر من يساعده ويدخل الدار التى فيها المحاريب فيبسط فيها ثلاثة فرش من مسوح حشوها ليف فيجلس عليها ويجيء أربعة آلاف راهب عليهم البرانيس وفى أيديهم العصي فيجلسون في تلك المحاريب ثم يرفع داود صوته بالبكاء والنوح على نفسه ويرفع الرهبان معه أصواتهم فما يزال يبكي حتى يغرق الفرش في دموعه ويقع داود فيها مثل الفرخ يضطرب فيجيء ابنه سليمان فيحمله ويأخذ داود من تلك الدموع بكفيه ويمسح بها وجهه ويقول يا رب اغفر لي فلو عدل بكاء داود بكاء أهل الدنيا لعدله وقيل ان الوحوش والطير كانت تسمع الى قراءته فلما فعل ما فعل كانت لا تصغى اليها وقالت يا داود ذهبت خطيئتك بحلاوة صوتك. وعنه صلى الله عليه وسلم " إنما مثل عيني داود مثل القربتين تنطفان ولقد خدد الدموع في وجه داود خديد الماء فى الأرض " قالوا لما تاب الله عليه قال يا رب غفرت لي فكيف أفعل حتى لا أنسى خطيئتي فاستغفر لي وللخاطئين الى يوم القيامة فوسم الله خطيئته في يده اليمنى فما رفع طعاماً ولا شراباً الا بكى اذا رآها ولا قام خطيباً في الناس الا وبسط راحته فاستقبل بها الناس ليروا وسم خطيئته وكان يستغفر للخاطئين قبل نفسه أي لأنه قد غفر له. وعن الحسن كان بعد الخطيئة لا يجالس الا الخاطئين يقول تعالوا الى داود الخاطئ ولا يشرب شراباً الا مزجه بدموعه وكان يجعل خبز الشعير اليابس في قصعته فلا يزال يبكى عليه حتى يبتل بالدموع ويذر عليه الملح والرماد فيأكل ويقول هذا أكل الخاطئين قال وكان قبل الخطيئة يقوم نصف الليل ويصوم نصف الدهر وبعدها يصوم الدهر كله ويقوم الليل كله. قال ثابت كان اذا ذكر عقاب الله تخلعت أوصاله واذا ذكر رحمة ربه تراجعت { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا } يوم القيامة بعد المغفرة* { لَزُلْفَى } أي لقربى* { وَحُسْنَ مَآبٍ } أي مرجع ومنقلب في الجنة وقلنا { يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً }