الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ ٱلْبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلْبَنُونَ } * { أَمْ خَلَقْنَا ٱلْمَلاَئِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ }

{ فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون } استئناف مفرغ على قوله فآمنوا فمتعناهم إلى حين أو معطوف عطف انشاء على خبر ووجه الاتصال بين ذلك أن قوله فآمنوا فمتعناهم إلى حين كالمثل لقريش أن آمنوا متعوا إلى حين فحسن انتقال القول اليهم والمحاورة وقيل العطف على استفتهم الأول المذكور أول السورة وان بعدت المسافة لأنه سبحانه أمر رسول الله باستفتاء قريش عن انكار البعث أولا ثم ساق الكلام موصولا بعضه ببعض حتى كأنه كله غير اجنبي ثم أمر باستفتائهم عن وجه القسمة الجائرة إذ جعلوا البنات لله يقولون الملائكة بنات الله وجعلوا البنين لأنفسهم والمراد ما يلدونه من الذكور أي خصوا أنفسهم بالبنين إذ قالوا ما يلد الله إلا البنات حاشاه عن الولادة وجعل ابن الشام هذا الاعراب غير صواب لبعد المعطوف عليه وجملة الربك البنات ولهم البنون مفعول لاستفتهم والاستفهام انكاري وقولهم بأن الملائكة بنات الله ادخل في الشرك من انكار البعث لان فيه القول بأن الله سبحانه جسم وهو لا يوصف بجسم ولا بعرض فإن الولادة مخصوصة بالأجسام وفيه تفضيل أنفسهم على الله سبحانه وتعالى اذ جعلوا لأنفسهم البنين وجعلوا له البنات وبها تظل وجوههم مسودة إذا بشروا بها وفيه الاستخفاف بالملائكة الكرام حيث انثوهم ولو قيل لادناهم فيك انوثة او شكل كشكل النساء لتنمر وتأسد على القائل ولذلك كرر الله سبحانه وتعالى الانكار عليهم هنا وفي غير السورة يكاد السماوات يتفظرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هذا والانكار هنا مقصور في اثبات الاناث لله والذكور لأنفسهم وفي وصف الملائكة بالأنوثة لأن هذه الطائفة تقول بذلك وحده ولو لزم منه التجسيم أو لأن فساد دينك الإثبات والوصف مما تدركه العامة وان قلت فأين انكر عليهم أنوثة الملائكة قلت في قوله. { أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون } الواو للحال والجملة بعدها حال وشاهدون بمعنى حاضرين أعرض عن قولهم ولد الملائكة الى قوله خلقنا الملائكة اشارة إلى أن الولادة بالغة في البطلان الواضح إلى حيث لا يحتج عليها وإلى حيث يكون الوجه الأعراض عنها وقيد انتفاء كون الملائكة إناثا بالشهادة إيماء إلى أن القول بأنوثتهم أمر عظيم لا يقدم عليه إلا بالمشاهدة فإن الأنوثة ليست من لوازم ذوات الملائكة حتى يستغنوا في اثباتها لهم بالعقل عن المشاهدة وفي ذكر المشاهدة أيضا تهكم بالكفرة واستهزاء بهم كيف قالوا بأنوثتهم مع أنهم لم يشاهدوها والعقل لا يوصل إلى معرفة مثلها ولا علم لهم بأخبار صادق وكيف قالوا ذلك قولا جازما، واعتقادا لازما كأنهم شاهدوه وما ذلك إلا لفرط جهلهم.