{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً } قال أبو العالية نزلت فى اليهود كفروا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بصفاته وإقرارهم أنها فى التوراة، ثم ازدادوا كفراً بالإصرار والافتراء عليهِ، والصد عن الإيمان. وقال مجاهد فى ازدياد كفرهم أنهم بلغوا الموت به وقال الحسن نزلت فى اليهود والنصارى، آمنوا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لصفاته ولما بعث كفروا به وازدادوا كفراً، بالدوام عليه إلى الموت وقيل نزلت فيمن مات مصرا من أصحاب الحارث بن سويد، لأحد عشر وذلك أن الحارث أسلم - كما مر - ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، أسلم بعض ومات بعضهم كافراً، وقد قالوا حين ارتدوا، ونزلت توبة الحارث نقيم على الكفر ما شئنا، ومتى أردنا الرجعة، نزلت فينا ما نزل فى الحارث من قبول التوبة، وقيل إن ازدياد الكفر هو قول من يقول تتربص به ريب المنون بعدما آمن، وذلك أن قوماً ارتدوا، ولحقوا بمكة ثم قالوا نتربص بمحمد ريب المنون، أو نرجع إليه وننافقه بإظهار الإسلام، وقيل فى اليهود آمنوا بموسى عليه السلام والتوراة، كفروا بعيسى والإنجيل، ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن، وقيل فى كل كافر لأنهم آمنوا حين خرجوا كالذر، ثم كفروا حين كلفوا، وازدادوا كفراً بالدوام عليه، إلى الموت. { لَّنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } لأنهم لا يتوبون إلا إذا عاينوا الموت، قال الله تعالى{ وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنى تبت الآن } فالآية فيمن قضى الله عليه، ألا يتوب إلا عند ذلك، وبذلك يقول الحسن وقتادة وعطاء والسدى، أو معنى عدم قبول توبتهم، عدم صدور التوبة منهم، فضلا عن أن تقبل فإنه إذا لم يتوبوا صدق أنه لا قبول توبة لهم، لأنهم لم يتوبوا، فأطلق اللازم، وهو عدم القبول على الملزوم، وهو عدمها، وفى هذا تغليظ عليهم، وتصوير لهم بصورة الآيس، أو لا تقبل توبتهم لأنهم يظهرونها نفاقاً، ستراً على أنفسهم، وقد أضروا الإصرار، وبهذا يقول ابن عباس رضى الله عنهما وزاد أنهم الذين ارتدوا، أظهروها نفاقاً، وقال أبو العالية إنما كانت توبتهم من ذنوب عملوها فى الشرك، ولم يتوبوا من الشرك، وعلى كل حال فالذين لن تقبل توبتهم، هم الذين كفروا بعد إيمانهم، ثم ازدادوا كفراً، ولم يقرن خبر إن هنا بالفاء، لأن عدم قبول توبتهم غير مسبب عن كفرهم، بعد إيمانهم، وعن ازدياد الكفر، لأن كثيرا كفر بعد إيمان، وازداد كفراً، ثم تاب نصوحاً وقبلت توبته. { وَأُوْلَـئِكَ } الذين كفروا بعد إيمانهم، ثم ازدادوا كفراً. { هُمُ الضَّآلُّونَ } الثابتون على الضلال، الكاملون فيه، حتى كأنه لا ضلال إلا ضلالهم، ولذلك حصر الضلال فيهم، بمعنى حصر كماله، لأن الكافر ضال مطلقاً ولو لم يؤمن قط، والجملة معطوفة على { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا.. } إلخ، أو على { لَنْ تُقْبَلَ تَوبَتُهُم }.