الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }

{ وَإِنَّ مِنْهُمْ } أى من أهل الكتاب المحرفين. { لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ } يفتلون ألسنتهم بقراءة الكتاب، من لوى الشىء إذا فتله أى صرفه عن وجهه، واستقامته إلى الاعوجاج، و " الباء " للاستعانة، أو الظرفية، والمضاف مقدر، وهو لفظ قراءة - كما رأيت - وذلك أنهم يصرفون ألسنتهم عن الصحيح المنزل، من صفته صلى الله عليه وسلم، والرجم وغير ذلك إلى المحرف الباطل فيقرأون ذلك الباطل بدل المنزل أو يقدر مضاف هكذا يلوون ألسنتهم بشبه الكتاب لأنهم يأتون بكلام من أنفسهم شبيه بالتوراة ويقرأونه للناس على أنه من التوارة. قال ابن عباس رضى الله عنهما أن الفريق الذين يلوون ألسنتهم بالكتاب هم الذين قدموا على كعب بن الأشرف وغيروا التوراة، وكتبوا كتاباً بدلوا فيه صفة النبى صلى الله عليه وسلم، ثم أخذت قريظة ما كتبوا فخلطوه بالكتاب الذى عندهم، وقيل إن جماعة من أحبار اليهود أتوا كعب بن الأشرف فى زمان قحط يطلبون منه طعاماً فقال ما تقولون فى هذا الرجل الذى يقول أنا رسول الله. فقالوا هو عبد الله ورسوله إلى خلقه. فقال كعب لو قلتم غير هذا لكان لكم عندى طعام وعطاء. فقالوا نرجع ونتأمل، فرجعوا وعادوا وقد بدلوا نعته بنعت الدجال، فقالوا وجدنا فى التوراة كذا فحلفهم لا يرجعون عن هذا فأعطى كل واحد منهم ثمانية أذرع من كرباس، وصاعاً من شعير، وقرأ أهل المدينة { يلوون } بضم الياء وفتح اللام وتشديد الواو الأولى للمبالغة، وقرأ مجاهد { يلون } بفتح الياء وضم اللام بعدها ولو ساكنة واحدة، أصله كقراءة العامة، أبدلت الواو الأولى همزة ونقلت ضمتها للام، فحذفت ونسب بعض هذه القراءة إلى مجاهد وابن كثير. { لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ، وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ } الخطاب للمؤمنين، قالوا لهم. وقرئ { ليحسبوه } بالتحتية، والواو لهم أيضاً، والهاء للمحرف إليه المدلول عليه، بقوله { يلوون } وجملة ما هو من الكتاب حال من الهاء، أو من الواو، والكتاب التوراة، أو جنس كتب الله تعالى. { وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } قولهم هو من عند الله يناسب قوله لتحسبوه من الكتاب، وقوله { يَلْوُونَ أَلسِنَتَهُم بِالكِتَابِ } ، وليس بتأكيد، لأنه ليس كل ما لم يكن، والكتاب لم يكن من عند الله لأنه قد يكون من الكتاب، وقد يكون من السنة، وأما الإجماع والقياس فلهذه الأمة فقط، وأيضاً قد يكون من عند الله، فيما يزعمون من الكذب والإبهام من كتب سائر الأنبياء كأشعياء، وأرمياء، وليس من الكتاب الذى هو التوراة، وقوله { وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّه } تأكيداً لقوله { وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَاب } إن أريد جنس الكتاب، ومناسب له، إن أريد به التوراة، وهو تصريح ببطلان ما يعرض به، لىَّ ألسنتهم بالكتاب، بل ببطلان ما يصرحون به، لأنهم يصرحون أنه من الله زيادة على اللَّىْ، ثم أكد بطلان دعواهم أيضاً بقوله { وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } إنهم كاذبون فى ذلك، فكذبهم كان عن عمد.

السابقالتالي
2