الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }

{ فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ } تحقق عيسى منهم الكفر، كما يتحقق الشىء المحس بالإحساس من الحواس، وذلك أن الكفر معقول لا يحس بحاسة، ولكن شبه العلم به بعلم ما يعلم بالحاسة، ثم إنه لا مانع من أن يبقى أحسَّ على ظاهره، لأنه أحس كفرهم بأذنيه، إذ سمع منهم ألفاظ الكفر، والتلفظ بلفظ الكفر بلا حكاية الكفر. { قَالَ مَنْ أَنْصَارِى } وسكن الياء غير نافع وابن كثير وأبى عمرو. { إِلَى اللَّهِ } متعلق بمحذوف، والمحذوف حال، وهو كون خاص، وصاحب الحال الياء، أى من أنصارى ذاهباً إلى الله، أو ملتجئاً إلى الله، وأنصار جمع ناصر، والمعنى من ينصرنى حال كونى ذاهباً إلى الله، أو ملتجئاً إليه، أو من ينصرنى ضاما نصره إياى، إلى نصر الله إياى، وصاحب الحال أيضاً الياء، ويجوز تعليقه بأنصار على تضمين معنى مضيفين، أى من الذى يضيفون أنفسهم إلى الله فى نصرى، بأن ينصرونى مع الله، ويجوز تعليقه بأنصار، بلا تضمين، إن جعلنا { إلى } بمعنى " مع " ، أو " فى " أو اللام، أى فى دين الله، أو لأجل الله، والمعية حاصلة مع إبقاء { إلى } على أصلها أيضاً، لأنك إذا أنهيت بشىء إلى شىء، فقد جمعتهما ولذلك أنكر الزجاج وغيره مجىء { إلى } بمعنى " مع " واستقلوا بذلك. { قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ } أى أنصار دين الله، والحوارى صفى الرجل وخالصته من الحور، وهو البياض الخالص، يقال لنساء القرى حواريات، لصفاء ألوانهن وخلوصه، وغلبة البياض عليهن. ويقال للدقيق حوارى، لأنهُ الخالص من جملة الدقيق، وحوّرت الثوب بيضته. قال أبو جلدة اليشكرى فى نساء القرى
فقل للحواريات يبكين غيرنا ولا يبكنا إلا الكلاب النوائح   
روى جابر بن عبد الله أنه ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق، فانتدب الزبير، ثم ندبهم فانتدب الزبير، ثم ندبهم فانتدب الزبير، فقال النبى صلى الله عليه وسلم " إن لكل نبى حواريات، وحواريى الزبير " وفى رواية " وحواريى من أمتى الزبير " فسمى أنصار عيسى حواريين لخلوص نياتهم، ونقاء سرائرهم، وظهور نور العبادة عليهم، وحواريو الأنبياء من أخلصوا نياتهم فى نصر الأنبياء، فهذا الاسم لقبهم الله به، بعد إجابة عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، أو كانت نياتهم قبل ذلك خالصة فى الله، وعلى كل حال فهم فى الأزل مستحقون لهذا الاسم. وقيل سموا لأنهم ملوك يلبسون الثياب البيض استنصر بهم عيسى على اليهود، وقيل لأنهم قصارون، يحورون الثياب، أي يبيضونها. وبه قال الحسن، وعن مجاهد والسدى سموا لبياض ثيابهم. وأما تفسير الحوارى الذى يستعان به فليس من اللغة، بل من حيث إن الرجل يستعين بصفيه لما علم عيسى على نبينا وعليهِ الصلاة والسلام، من بنى إسرائيل الكفر، وعلم أنهم أرادوا قتله، خرج هو وأمه يسيحان فى الأرض فدخلا قرية فأضافهما رجل، وأحسن إليهما وكان لتلك القرية ملك جبار، فجاء الرجل يوماً حزيناً، ومريم عند امرأته، فقالت مريم ما شأن زوجك، أراه كئيباً حزيناً؟.

السابقالتالي
2 3