الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ }

{ فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ } أنث بتأويل الجماعة، وقرأ حمزة والكسائى فناداه بالإمالة، وإسقاط التاء، والحكم على الملائكة بالنداء على المجموع فإن المنادى واحد منهم، وهو جبريل عليه السلام، وذلك أنه من جنس الملائكة، كما تقول فلان يركب الخيل، وبنو فلا قتلوا فلانا، وإنما يركب فرساً واحداً، وقاتل فلان واحد منهم، وقال الله تعالىالذين قال لَهم النَّاسُ } أى نعيم بن مسعود إن الناس أبا سفيان. ويجوز أن يكون جمع جبريل تعظيما له، عليه السلام، أو لأنه رئيس الملائكة، فمقاله مقال لهم ولو لم يقولوه، وقال قوم بل نادته ملائكة كثرة، كظاهر الآية، واختاره بعض، وقال إنه لا يعدل عنه إلا إن صح حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بغيره. والجمهور على أن المنادى جبريل، والمراد بالنداء التبشير فيما ينبغى أن يسرع به، وليس السامع، وليس مجرد إخبار بالوحى، بل كما نادى الرجل الأنصارى كعب بن مالك، من أعلى الجبل لما نزلت توبته كما يأتى إن شاء الله فى سورة التوبة. { وَهُوَ قَائِمٌ } حال من الهاء. { يُصَلِّى } حال ثان من الهاء، أو حال من المستتر فى { قَائِمٌ } ، أو خبر ثان، ويجوز على قول سيبويه أن يكون نعتاً لقائم، إذ جاز نعت الأوصاف التى لم يذكر موصوفها. { فِى الْمِحْرَابِ } تنازعه { قَائِمٌ } و { يُصَلِّى } وهو المسجد، وذلك أن زكريا عليه السلام هو الحبر الكبير الذى يقرب القربان، ويفتح الباب، فلا يدخلون حتى يأذن لهم فى الدخول، فبينما هو يُصلى فى محرابه عند المذبح، والناس ينتظرون أن يأذن لهم فى الدخول إذ هو بجبريل على صورة رجل شاب أبيض الثياب، ففزع فناداه يا زكريا. { أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى } أى بولد سماه يحيى، كذلك تسميه. قال ابن عباس سمى يحيى، لأن الله تعالى أحيا به عقم أمه، وقيل إن الله أحيا قلبهُ بالإيمان. وقيل لأن الله أحياه بالطاعة حتى أنهُ لم يهم بمعصية قط، وفى التسمية به دليل على فضل العربية، إذ سمى باسم عربى، وليس من العرب فمنعهُ من الصرف للعلمية، ووزن الفعل، وأجيز أن يكون عجمياً فيمنع للعجمة والعلمية، واستطهره الزمخشرى وإنما كسرت همزة { إن } بعد قوله نادت لتضمن النداء معنى القول، ولفظ القول تكسر بعده. وقيل بتقدير القول أى نادته الملائكة قائلين إن الله يبشرك. وقرأ غير نافع، وابن عامر بالفتح على تقدير الجار، أى بأن الله. وقرأ حمزة والكسائى يَبْشُرك بفتح الياء المثناة التحتية وإسكان الباء الموحدة وضم الشين، وكذا فى جميع القرآن لفظ يبشر، وقرأ يُبْشِرك بضم فإسكان فكسر، فهو يتعدى بالتشديد وبنفسه وبالهمزة. { مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ } هى عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وسمى كلمة، لأن الله تعالى خلقه بكلمة " كن " خلقها حيث شاء، أو بتوجه الإرادة إلى خلقه، فكوّنهُ بلا أب، دلالة على كمال قدرته تعالى، وقيل سمى كلمة لأنه يرشد الخلق إلى دين الله بكلامه، كما يهتدى بكتاب الله قبل الإنجيل وبعده.

السابقالتالي
2 3