الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

{ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا } أى قبل الله الأنثى المذكورة المسماة مريم، من أمها حنة، مكان الذكر، دعت الله أن يقبلها، إذ قالتفتقبل مِنّى } فأجاب الله دعاءها فقبلها، فتقبل لموافقة المجرد، بمعنى قبل ورضى، ويجوز أن يكون المعنى أخذها منها حين ولدت، كما تأخذ القابلة الولد حين يولد وذلك بأن قدر لها من أخذها وتكفلها للعبادة، وخدمة البيت وحين ولدت، ولم يتركها حتى تكبر وتصلح للخدمة، فيناسب هذا الوجه أن يكون كقولك استقبلها كقولهم تعجل بمعنى استعجله ومعنى استقبل الأمر أخذ بأوله.. قال القطامى
وخير الأمر ما اسْتَقْبَلْتَ منه وليس بأن تتبعه اتباعا   
ومنه المثل خذ الأمر بقوابله، ولك أن تقول التقبل للمبالغة. { بِقَبُولٍ حَسَنٍ } القبول مصدر ولم يقل بتقبل حسن، مع أنهُ أنسب لتقبلها وأدل على التوكيد بالمبالغة، لأن القبول يفيد معنى القبول على وفق طبع البشر، والتقبل من الصيغ التى تدل على التكلف فى الشىء، فذكر القبول ألا بصيغة تدل على التكلف فى وصف البشر بشدة الاعتناء، ليفيد المبالغة، وذكره ثانياً بلفظ يدل على أنه على وفق الطبع، والباء زائدة فى المفعول المطلق الواقع اسم مصدر، أى قبولا حسناً، أو للدلالة، وعليه فالقبول اسم لما يقبل عليه الشىء كأنه قال بوجه حسن يقبل به النذر أو بأمر ذى قبول حسن، وهو إقامتها مقام الذكر أو أخذها من حين ولدت، بأن لم تترك حتى تصلح للخدمة. { وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً } بأن كانت تنبت فى اليوم ما ينبت غيرها من الأولاد فى العام فى كبر الجسم والعقل، وكلما يصلح له قال ابن عباس انبتها نبات السعادة. { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } فام بمصالحها من طعام وشراب ولباس ودهن، وغير ذلك، لما ولدت حنة امرأة عمران مريم لفتها فى خرقة، وحملتها إلى المسجد فوضعتها عند الأحبار وهم فى بيت المقدس، محبة وخدمة لبيت المقدس فقالت لهم دونكم هذه النذيرة، أى خذوها فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم، وقيل لأنها حررت لخدمة بيت الله والعبادة وكان أبوها قد مات فتنازع فى كفالتها رءوس بنى إسرائيل وأحبارهم وملوكهم قال مجاهد فقال لهم زكريا أنا أحق بها عندى خالتها، فقال له الأحبار لو تركت لأحق الناس بها، لتركت لأمها التى ولدتها، ولكن نقترع عليها فتكون عند من خرج سهمه بها، فانطلقوا وكانوا تسعة وعشرين رجلا، إلى نهر الأردن فألقوا فى الماء أقلامهم، على أن من رسب قلمه فى الماء فليست له، ومن صعد على الماء قلمه، فهو أولى بها، فكان اسم كل واحد مكتوب على قلمه، والقلم هو ما يتساهم به فى مثل هذا المحل، وقيل أقلامهم التى يكتبون بها التوراة، كما قال الشيخ هود أقلامهم التى يكتبون بها الوحى قيل كانوا يكتبون التوراة، فألقوا أقلامهم فى الماء، كانت بأيديهم يكتبون بها، فارتفع قلم زكريا على الماء، وكان زكريا رأس الأحبار ونبتهم، وإنما كان إيشاع أخت مريم وخالتها أيضاً، لأن عمران تزوج أم حنة، فولد إيشاع، وكانت حنة بنتاً لغير عمران، ثم تزوج عمران حنة، وهى ربيبته على أن ذلك جائز فى شريعتهم، فولدت مريم فتكون إيشاع أخت مريم من الأب، وخالتها أيضاً كذا قيل.

السابقالتالي
2 3 4