الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ }

{ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا } أى وضعت بنتها مريم، أنث الضمير مع عوده إلى ما، من قولهما فى بطنى } لأنه فى نفس الأمر أنثى، فهو من اعتبار معنى { ما } ، ولو لم تعلم امرأة عمران الناذرة به أنه أنثى، لأن قوله { وَضَعَتْهَا } من كلام الله تعالى، وهو قد علمه أنثى. { قَالَتْ رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنْثَى } حال من ضمير النصب المذكور فى { وَضَعَتْهَا } ، وإنما جاز ذلك مع أنه بمنزلة وضعت امرأة عمران الأنثى أنثى، لأن كل ضمير وقع بين اسمين مذكر ومؤنث وهما عبارتان عن مدلول واحد يجوز فيه التذكير والتأنيث، فضمير النصب فى وضعتها واقع بين ما، وهو مذكر اللفظ وفرض الكلام أن يؤتى له بحال مؤنث، وهو لفظ أنثى، فاعتبر هذا الحال المؤنث، فقيل وضعتها، ولو اعتبر لفظ { ما } ، لقيل رب إنى وضعته أنثى، لكن هذا يضعفه مراعاة المعنى فى قوله { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا } ، ثم إنه تجىء الحال مؤكدة لصاحبها، كما تجىء مؤكدة لعاملها، ولك أن تقول أنث الضمير المنصوب فى وضعتها فى الموضعين لتأويل ما فى بطنها بالمؤنث الذى يستعمل فى الذكر، والأنثى كالنفس والنسمة والحبلى فلا إشكال حينئذ فى قوله { أُنْثَى } ، لأن النفس ونحوه، يقع على الذكر والأنثى فبين الأنوثة بقوله { أُنْثَى }. { وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } أنه أنثى، لأنه لا يخفى عليه شىء، ولكن قالت { رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنْثَى } تحسراً عما فاتها من كونه ذكراً، يصلح لخدمة بيت المقدس، كما نذرت بخدمته، فقولها { إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنْثَى } مجاز مركب غير استعارة، إذ حقيقته أن يخبر به من يجهل ما وضعت، أو تخبر به من يجهل أنها عالمة بما وضعت، وقال الله تعالى { وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } تعظيما لما ولدت، أى وضعت ولداً عظيما هى جاهلة لعظمه. وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب { وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } بإسكان العين وضم التاء إلى أنه من كلامها، تسلية، تكلمت به تسلية لنفسها أى ولعل الله قد علم الخيرة فى الأنثى التى ولدتها. وقرىء بإسكان العين كسر التاء، خطابا من الله تعالى لها، وهو قراءة ابن عباس رضى الله عنهما. { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كالأُنْثَى } إما من كلامه تعالى، وإما من كلامها من جملة تحسرها، أى وليس الذكر الذى طلبت، كالأنثى التى وهبت لى وفى الكلام قلب، أى ليس الأنثى كالذكر، لأنها تحيض، ولا تباشر الرجال، وهى ضعيفة ولا تصلح لخدمة بيت المقدس، ويجوز أن يكون المعنى ليس الذكر الذى طلبت لنذرى كالأنثى، و " أل " فيهما للحقيقة ويجوز أن يكون للعهد، أى ليس الذكر الذى طلبت كالأنثى التى وهبت لى بل هى أفضل منه، لأنه من خدمة المسجد، وهذه الأنثى موهوبة لله تعالى وهذا على أنه من كلام الله ظاهر، وكذا على أنه من كلامها.

السابقالتالي
2 3