الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ }

{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ } الفا عاطفة على محذوف، أى استحقوا التعنيف، لانهزامهم فلنت لهم برحمة الله والمعطوف لنت، والياء سببية، وما صلة لتأكيد الرحمة، ورحمة مجرور بالياء، وهذا أولى من أن يجعل ما نكرة تامة مجروراً بالياء، ورحمة بدله والمعنى لنت لهم مع انهزامهم برحمة من الله أعطاكها وجعلها فى قلبك، وتقديم برحمة على لنت مع أنه متعلق به للحصر، وعلى طريق العرب فى تقديمهم ما يهتم به، وقد عظم الله الرحمة فى قلبه، حتى اغتم بما أصابهم مع مخالفتهم له، وانهزامهم إليه الذى يفضى إلى طمع العدو فيه، وفيهم، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء { وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً } سىء الخلق، جافى المنطق والفعل. { غَلِيظَ الْقَلْبِ } قاسى القلب، ينبو عن الاحتمال. { لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } لتفرقوا عنك، ونفروا، يقال انفضت الجماعة، أى افترقت، قال رجل من المسلمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أحسن الله إلينا الإحسان كله، كنا قوماً مشركين فلو جاءنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بهذا الدين جملة واحدة، فيه جهاد الآباء والأبناء، وتحريم الحرام، والربا والأحكام والحدود لما دخلنا فى الإسلام، ولكنه دعانا إلى كلمة فلما دخلنا فيها وعرفنا حلاوة الإسلام والإيمان قبلنا ما جاء به من الله ". { فَاعْفُ عَنْهُمْ } فيما هو فى حقك أو فى مخالفتهم، وانهزامهم يوم أحد. { وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ } فيما هو حق الله، أو فيه وفيما هو لك، لأن العفو غير ذلك، وهو أن لا تحقد عليهم، ولا تنتقم منهم. { وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ } الذى لم يحده الله وجعل حده وتفضيله إليكم كأمر الحرب، يخرج إليها وقت كذا، أو وقت كذا، وتنزل بمحل كذا، أو بمحل كذا، وهل تكيد بكذا، كما يدل النزول يوم بدر، برأى بعض المسلمين، كما يأتى إن شاء الله، وكما خندق يوم الأحزاب برأى سليمان، وكما شاورهم فى أسارى بدر، وقال الكلبى وأكثر العلماء 8 الشاورة فى الآية إنما هى فى أمر الحرب، على أن فى الأمر للعهد من أمر الحرب، إذ لا يمكن أن تكون للاستغراق، لأنه لا يشاورهم فى أكله أو شربه، كلما أراد، ومباشرته لأزواجه، صلى الله عليه وسلم، وعليهن وما نزل فيه الوحى من الله من حلال وحرام، أو حكم أو حد، والذى عندى أن المراد بالأمر حقيقة الصالحة للمشاورة لا خصوص امر الحرب، وعلة الأمر بالمشاورة الانتفاع برأيهم، فقد يكون عندهم ما لم يكن عنده، وتطيب قلوبهم والعطف بهم وإذهاب أضغانهم، وكان سادات العرب يشق عليهم عدم المشاورة، إذا لم يشاورهم أحد وتوصله إلى معرفة مقادير عقولهم، وأحكامهم بمشاوراتهم وأن تقتدى أمته به بالمشاورة، وقال الحسن البصرى ما كان فى الأرض أحسن رأياً من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما كان له حاجة إلى أصحابه فى مشورة، ولكن الله أراد بذلك، أن يطمئن المسلمون إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بمشاورته إياهم، وفى رواية عن الحسن قد علم الله أنه ما به إلى مشاورتهم حاجة، ولكن أراد أن يستن به، من بعد من أمته، فمجموع ذلك أن الحسن علل المشاورة أن يطمئنوا إليه وأن يقتدى به، والتحقيق التعميم الذى ذكرته أولا وقد قيل بكل من أوجهه قولا، قالت عائشة رضى الله عنها ما رأيت رجلا أكثر استشارة للرجال من رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3