الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

{ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنْكُمْ } أنزله الله عليكم، بعد اغتمامكم فى الهزيمة والقتل والجراح، وغير ذلك، أما نازال به الخوف، غطى طائفة عظيمة الشأن منكم راسخة الإيمان، بأن حزموا يومئذ لا شك فيهم، قيل فى أمرهم بأن هذه الغلبة لا تدوم ولا تستأصل المؤمنين تصديقاً لقوله صلى الله عليه وسلم " إن الله ينصر هذا الدين على غيره " وبلغ بهم الأمن حتى غشيهم النعاس، قال أنس ابن أبى طلحة غشينا النعاس، ونحن فى مصافنا يوم أحد، فجعل سيفى يسقط من يدى وآخذه، رواه البخارى ومسلم بسندهما، ونحوه عن ابن مسعود والزبير ورواه الشيخ هود هكذا قال أبو طلحة أنا يومئذ فيمن غشيه النعاس فجعل سيفى يسقط من يدى فآخذه ويسقط فآخذه. وهو كذلك أيضاً فى نسخة عن البخارى، وعن أنس بن أبى طلحة رفعت رأسى يوم أحد فجعلت أراهم وما منهم يومئذ أحد إلا يميل تحت حجفه من النعاس، فذلك قوله تعالى { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً } قال الخازن وقال الزبير بن العوام لقد رأيتنى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد علينا الخوف، فأرسل الله علينا النوم والله إنى لأسمع قول معتب بن قشير والنعاس يغشانى، ما أسمعه إلا كالحلم، يقول لو كان لنا من الأمر شىء ما قتلنا ها هنا، وأمنة، مفعول به لأنزل ونعاساً، بدل اشتمال، والرابط محذوف، أى نعاساً منها، أو لأجلها، ووجه الاشتمال أن النعاس سببى للأمنة، لأنه يتولد منها، ويجوز أن يكون نعاس مفعولا به، لأنزل، وأمنة مفعول لأجله، على أنها فعل الله، بمعنى الإيمان أى تصيرهم آمنين فهى اسم مصدر أمن، فقد اتحد الفاعل ويدل لهذا قولهإِذ يغشيكم النعاس أمنة منه } وأجاز بعض أن يكون أمنة، حالا من نعاس، ونعاس مفعول به، ولو كان نعاساً ليس نكرة لتقدم أمنة عليه، وهو حمل على جعل المصدر حالا مع أن النعاس ليس أمنة، كما أن راكباً فى جاء زيد راكباً هو زيد، إلا أن يقال أمة اسم مصدر بمعنى مؤمن، فحينئذ يكون النعاس مؤمناً لهم، أى مزيلا لخوفهم مجازاً، ويجوز أن يكون أمنة حالا من كاف عليكم، وهو مصدر بمعنى الوصف أى آمنين أو يقدر مضاف، أى ذوى أمن أو جمع آمن ككامل وكملة، أو مبالغة كأنهم نفس الأمن ونعاساً مفعول به، والمعنى مختلف بالإعراب فعلى أن أمنة مفعول لأجله، ونعاساً مفعول يكون المعنى أن الأمن حصل لهم النعاس لما نعسوا اضطرارا من الله جل وعلا، وصحوا وصاروا آمنين، وهكذا كنت أفسر الآية وكذا إن جعلنا آمنة حالا، فإما مقدرة، فالأمن بعد النعاس مسبب عن النعاس ومقارنة أو ماضية، فهو معه أو قبله وقرأ أمنة بفتح الهمزة، وإسكان الميم وهو مرة من الأمن.

السابقالتالي
2 3 4