{ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } واذكر يا محمد إذ ذهبت من أهلك فى المدينة، مقدر التنزيل للمؤمنين، مواضع يقاتلون فيها، وأصل الغدو الذهاب أو النهار، واستعمله هنا فى الذهاب بعد الزوال، دل على هذا اتفاق المفسرين، أنه ذهب إلى أحد بعد أن صلى الظهر يوم الجمعة، وقيل إن الغدو على أصله وأنه صلى فى ذلك اليوم صلاة الجمعة، أو النهار. و { تبوأ } تنزل متعد بنفسه إلى اثنين الأول المؤمنين، والثانى مقاعد أو بمعنى تهيأ فيتعدى لواحد، وهو مقاعد، فيكون المؤمنين على نزع الخافض أى للمؤمنين، كما قرأ عبد الله بن مسعود تبوأ للمؤمنين، والجملة حال مقدرة من ضمير تبوأ، وإنما قلت مقدرة لأن التبوئة ليست مصاحبة للغدو بل بعد الوصول، قيل أو حال مشارفة، لأن الزمان متسع، وكلا الحالين المقدرة والمشارفة نوع واحد، ولا فرق إلا بقرب زمانها من زمان عاملها، بخلاف المقدرة، فإنها أعم للقرب والبعد. و { مقاعد } جمع مقعد وهو اسم لمكان القعود، الذى يقعد فيه الصحابى حتى يجىء الغدو، أو يحضر القتال، إن كان قد جاء فيقوم للقتال، أو أراد به مطلق المكان له باعتبار القعود بمعنى الموضع الذى يثبت فيه الصحابى قائماً أو قاعداً، أو على هذا يكون مجازاً للإطلاق والتقييد، كما تقول فى كون الغدو بمعنى معلق الذهاب، كقوله تعالى{ فى مقعد صدق } و { للقتال } متعلق بتبوأ أو بمحذوف نعت لمقاعد، لا بمقاعد، لأن اسم المكان واسم الزمان لا يعملان، ذكر الله هذه الآية تقريراً لقوله{ وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً } فإنهم إن صبروا وتقوا يوم أحد غلبوا الكفار، ففعلوا، فكانوا غالبين والحمد لله. لم يتق الرماة أمره صلى الله عليه وسلم بلزوم موضعهم، ولم يصبروا عن النهب، فكانت الهزيمة، لكن جبرها الله، تبارك وتعالى، وتقريراً لقوله{ لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دونكم } إذ تخلف عبد الله بن أبى - لعنه الله - بثلثمائة بعد خروجه وكان الكفار يوم أحد ثلاثة آلاف، والمسلمون كانوا ألفاً أو أقل بخمسين رجلا ثم رجع عبد الله بن أبى بثلثمائة من أصحابه، فبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع سبعمائة فأعانهم الله تعالى حتى هزموا الكفار. { وَاللَّهُ سَمِيعٌ } لأقوالكم. { عَلِيمٌ } بأفعالكم ونياتكم، روى أن المشركين نزلوا بأحد يوم الأربعاء ويوم الخميس ببطن الوادى، ثانى عشر من شوال سنة ثلاث من الهجرة، ونزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالشعب من أحد يوم السبت سابع عشر من شوال سنة ثلاث من الهجرة، وقيل كانت وقعة أحد لإحدى عشرة ليلة من شوال، وقيل لسبع ليال منه، وقيل فى نصفه، واتفقوا أنها سنة ثلاث. قال مالك بعد بدر بسنة، وعنه بأحد وثلاثين شهراً قصد المشركون أخذ ثأر من قتل منهم يوم بدر.