الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }

{ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ } أوقع الله عليهم الذلة، وألزمها إياهم حتى صارت كشىء يضرب على شىء، فيحيط به، أو يلتزق به، والذلة ضعف قلوبهم عن أن يقاوموا غيرهم فى قتال، أو شدة. وعن أن يردوا عن أنفسهم ما أصيبوا به، وهذا لعمومه أولى من تخصيص الذلة لشىء مثل ما قيل أن الذلة قتلتهم، وغنيمة أموالهم أصولا وعروضاً وسبيهم، وما قيل أن الذلة ضرب الذلة عليهم لأنها ذلة وصغار، وما قيل أن الذلة أنهُ لا يرى فى اليهود ملك قاهر، ولا رئيس معتبر، بل يستضعفون فى جميع البلاد وما قيل إن الذلة كونهم أذلاء فيما بين المسلمين، بسبب كفرهم وتمسكهم بالدين المنسوخ، والطريق المخترعة الباطلة، ولما ذلوا بين المؤمنين ذلوا أيضاً تبعاً بين غير المؤمنين، وكان فيهم ذل عظيم قبل الإسلام، فزادوا من بعده ذلا عظيما مستأصلا لشأنهم. { أيْنَمَا ثُقِفُوا } أى وجدوا، وجواب الشرك محذوف، تقديره أى مكان وجدوا من دار الإسلام غلبوا وذلوا، لا اعتصام لهم، ولا عز دلَّ عليه ضربت عليهم الذلة، أو يقدر بلفظه أى أينما ثقفوا ضربت عليهم الذلة، وقيل هو جواب مقدم. { إلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ اللهِ وحَبْلٍ مَّنَ النّاسِ } استثناء من أعم الأحوال، أى ضربت عليهم الذلة، فى كل حال، إلا معتصمين بعهد من الله والناس المؤمنين بالأمان على أداء الجزية، ويجوز أن يكون حبل الله ذمته أو كتابه الذى أتاهم، أو دين الإسلام، وأن يكون حبل الناس ذمتهم، واتباع دينهم، وقال الفخر قال بعضهم حبل الله هو الإسلام، وحبل الناس العهد والذمة. قال الفخر هذا بعيد، إذ لو أريد ذلك لقيل أو حبل من الناس أو قال. وقال آخرون المراد بكلا الحبلين الأمان، لأنهُ من الله بإذنه ووحيه، ومن المؤمنين بإنقاذه لهم، قال وهو أيضاً ضعيف. قال والذى عندى أن الأمان الحاصل للذمى قسمان أحدهما الذى نص عليه، وهو الأمان الحاصل بإعطائه الجزية عن يد، وقبوله إياها. والثانى الأمان الذى فرض إلى رأى الإمام واجتهاده، فيعطيهم الأمان مجاناً تارة، ويبذل زائد أو ناقص تارة أخرى على حسب اجتهاده، واستعير الحبل لنحو العهد والكتاب، لأن كلا منهما سبب للنجاة والفوز بالأمن. { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ } رجعوا عن الله لإعراضهم عن دينه بغضب منهُ، عز وجل، من باء بمعنى رجع، أو مكثوا فى غضب من الله من قولك تبوأ كذا، أى اتخذه محلا ينزل فيه. والباء على الأول للمصاحبة وعلى الثانى للظرفية. { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ } ضرب عليهم، وسموا الفقر ضرباً شبيهاً بإحاطة البيت المضروب على أهله، فإنهم فى غالب الأمر إما فقراء وإما غير فقراء، لكن يظهرون الفقر ويتصورون بصورة الفقراء، وقيل { المسكنة } الجزية، وبه قال الحسن.

السابقالتالي
2