الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ }

{ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِنْ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ } قال الحسن والجمهور هم اليهود والنصارى، تفرقوا عن دين الله الذى كان بأيديهم بأن زَلّوا عنه. واختلفوا فيه بعد ما جاءتهم التوراة والإنجيل، قالت اليهود الدين الحق اليهودية، وقالت النصارى النصرانية وقال كل واحد من الفريقين لن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا، وكذب اليهود عيسى، ومحمداً عليهما الصلاة والسلام، وقالوا عزير ابن الله وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة، وكذَّب النصارى محمداً صلى الله عليه وسلم، وقالوا المسيح ابن الله، وأنه تبعث الأرواح دون الأجساد { فاختلفوا } كالتأكيد لـ { تفرقوا }. وقيل تفرقوا بالعداوة، واتباع اليهود وعدم الألفة، والاجتماع، واختلفوا بسبب اختلافهم فى الأديان، وقد تفرقوا بسبب استخراج التأويلات الفاسدة من نصوص كتابهم، واختلفوا بأن حاول كل واحد منهم نصرة قوله، وقيل تفرقوا بأبدانهم، بأن كان كل واحد منهم من أولئك الأحبار رئيساً فى بلد، ثم اختلفوا حتى صار كل واحد منهم يدعى أنه على الحق، وأن صاحبه على الباطل. قال النبى صلى الله عليه وسلم " إن من قبلكم من أهل الكتاب يعنى النصارى، افترقوا على اثنتين وسبعين ملة، وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين، اثنتان وسبعون فى النار، وواحدة فى الجنة، وهى الجماعة " هذا لفظ أبى داود فى سننه، عن معاوية بن أبى سفيان، ومثله لأبى هريرة ولم يذكر النار، بل قال على وسبعين واحدة فى الجنة. وعن ابن عباس الذين تفرقوا واختلفوا كل من افترق من الأمم فى الدين فأهلكهم الافتراق. { وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } وهو يوم القيامة وهو متعلق بقوله { لهم } لنيابته عن نحو ثابت أو ثبت أو بالمنوب عنه المحذوف أو مفعول لأذكر محذوفاً، ولا يخفى أن النهى عن التفرق، والاختلاف والوعيد عليه، إنما هما فى الأصول دون الفروع، لحديث " اختلاف أمتى رحمة " ولقوله صلى الله عليه وسلم " من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد " وقرىء بكسر تاء { تبيض } وتسود، وقرىء تبياض وتسواد بفتحهما، وبألف قبل الضاد والدال، وتشديدهما، وابيضاض وجوه، واسوداد وجوه حقيقتان لا مجاز ولا كناية وذلك أن من كان من أهل الحق ولو يبدل ولو يغير، كان وجهه يوم القيامة أبيض مسفراً مشرقاً، وكذا سائر جسده، وكانت صحيفته بيضاء مشرقة، وسعى النور بين يديه وبيمينه، ومن لم يكن من أهل الحق أو بدل وغير كان وجهه يوم القيامة أسود كسفا كمداً وكذا سائر جسده، واسودت صحيفته وأظلمت، وأحاطت به الظلمة من كل جانب، والأصل الحقيقة، ولا يخرج عنها إلا لدليل صارف، وقال الزجاج ابيضاضها واسودادها كناية عن فرح المؤمن وسروره وظهور بهجته، وحزن الكافر وكآبته وغمه، وحكمة ظهور البياض فى وجه السعيد، أنهُ يفرح بعلم قومه وعدوه، أنه سعيد، وحكمة ظهور السواد فى وجه الشقى أن يغتم بظهوره، ومثلهما الفرح والحزن ومن المجاز أو الكناية فى ذلك، قوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7