الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } * { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } قال ابن مسعود وابن عباس { حَقَّ تُقَاتِه } هو أن يطاع لا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر. ورواه بعض مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد قدر الاستطاعة، فهو مفسر بقوله تعالىفاتقوا الله ما استطعتم } وقولهلا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إلاَّ وسْعَهَا } وذلك فى كميات الطاعات، وكيفيتها، وحالها. وقيل الآية فى تنزيه الطاعة عن الالتفات إليها وتوقع المجازاة عليها، وقال مجاهد حق تقاته أن لا تأخذه فى الله لومة لائم، ويقوم بالقسط ولو على نفسه أو ابنه أو أبيه، وقيل لا يتقى الله عبد حق تقاته حتى يخزن لسانه، ونسب هذا القول إلى ابن عباس، والنسيان والغلط خارجان عن الاستطاعة، وقد يعنف عليهما إذ كان سببهما اشتغال القلب بالفرض، وترك المعصية جداً، وقال ابن عباس فى رواية أخرى عنه، وسعيد بن جبير، وقتادة وابن زيد، والسدى الآية على عموم لفظها، من لزوم غاية التقوى، حتى لا يقع الإخلال فى شىء من الأشياء، ثم نسخ بقوله تعالىفاتقوا الله ما استطعتم } وقولهلا يكلف الله نفساً إلا وسعها } والصحيح القول بأن الآيتين تفسير لها، وأنهما المراد فيها لا ناسختان لها، وهذا مذهبنا، ويدل له ما رواه معاذ من أنه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " " هل تدرى ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ " قال الله ورسوله أعلم. قال " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن يدخلهم الجنة إذا عبدوه ولم يشركوا به أحداً " وأما ما روى من أنه لما نزل قولهُ تعالىاتقوا الله حق تقاته } شق ذلك على المسلمين فقالوا يا رسول الله من يقوى على ذلك؟ ثم نزلت تخفيفا بقوله تعالىفاتقوا اللهَ ما اسْتَطعْتُم } ولاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إلا وسعها } فمعناه أنهم ظنوا أن الآية على ظاهرها من أنها أمر بما لا يستطاع من حق الله، فنزل ما بين لهم فيه أن المراد بحق التقاة هو ما استطاعوه، وأصل التقاة وقيه قلبت الواو تاء، أو الياء ألفاً لتحركها بعد فتح، وهو مصدر، وفى صار اسم مصدر لاتقى، وكان بين الأوس والخزرج عداوة فى الجاهلية وقتال ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، أصلح بينهم فافتخر منهم بعد ذلك رجلان ثعلبة بن غنم من الأوس، وسعد بن زرارة من الخزرج، فقال ثعلبة منا خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، ومنا حنظلة غسيل الملائكة، ومنا عاصم بن ثابت بن أفلح حمى الدبر - أى حماه الذباب اللاسع عن أن يمسه مشرك بعدما قتله المشركون - وكان قد عاهد ألا يمس مشركاً، ومنا سعد بن معاذ الذى اهتز عرش الرحمن لموته، ورضى الله بحكمه فى بنى قريظة بقتل مقاتلهم، وسبى غيرهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10