الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ }

{ فَسَقَى لَهُمَا } غنمهما وقيل زاحم القوم فسقى لهما وقيل لما فرغ الرعاء من السقي غطوا رأس البئر بحجرة لا يرفعه إلا عشرة رجال فرفعه موسى وحده ونزع دلوا واحدا ودعا فيه بالبركة وسقى الغنم وروي وقيل أن الرعاة كانوا يضعون على البئر حجر لا يرفعه إلا سبعة رجال وقيل أربعون وقيل مائة ورفعه موسى وحده وقيل سألهم دلوا فأعطوه فملأها مرة وصبها في الحوض ودعى بالبركة وكفى الغنم، وفي ذلك دليل على قوة دليل دين موسى وعدله فانه عليه السلام مع كونه ثمانية أيام أو أقل لم يأكل إلا الحشيش مع ما هو فيه من السير بلا نعل قوي على حمل تلك الصخرة ولم يترك الرغبة في الخير اذ رحمهما وسقي لهما لله تعالى والسلام للنفع وقيل للتعليل وانما حذف مفعول سقى ونسقي لأن الغرض اسقي وبيان ما يدل على عفتهما ويدعوه الى رحمتهما. { ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ } انصرف الى ظل سمرة من شدة حر الشمس وهو جائع. { فَقَالَ رَبِّ } يا رب. { إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } اللام بمعنى الى متعلق بفقير وفقير بمعنى محتاج ومن خير بيان لما أو لراجعها المحذوف واللام للتقوي على ان فقيرا مضمن معنى طالب والتنوين والتنكير للتقليل والتحقير أي لأي شيء أنزلت اليَّ من خير قليل أو كثير غث أو سمين والماضي بمعنى المضارع أي لما تنزل ولكن عبر بالماضي استعجالا للخير حتى كأنه قد نزل. قال بعض ما قال موسى ذلك إلا وخضرة البقل تترايا في بطنه من الهزال وما سأل الله إلا أكلة، وعن ابن عباس بلغ به الجوع الى ان اخضر لونه من اكل البقل ورئت خضرة البقل في بطنه وانه لأكرم الخلق يومئذ على الله ولقد افتقر الى شق تمرة وعن بعضهم ما سأل إلا الخبز وقد بان لك الخير هنا هو الطعام وعن ابن جبير كان فقيرا الى شق تمرة وذلك الكلام منه سؤال بكناية لا بتصريح اذ لم يقل رب انزل اليَّ من الخير والانزال بمعنى الاحضار ومن السؤال بالكناية قول الفقير للغني اني ذو عيال وقد أمسيت بلا تمرة ولا حبة شعير ونحو ذلك ويجوز أن يريد بالخير النجاة من الظالمين والفوز بالدين وذلك منه شكر لله تعالى ورضى بذلك بدلا مما كان فيه من الدنيا عند فرعون كأنه قال اني لما انزلت اليَّ من خير الدين صرت فقيرا في الدنيا لانه كان في سعة عند فرعون والمشهور الأول وعن معاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أكل طعاما فقال الحمد لله أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر " ولما سقى لهما رجعتا الى أبيهما في زمان أقل مما كانتا ترجعان فيه فسألهما عن ذلك فأخبرتاه بمن سقى لهما فقال لأحدهما أدعيه لي.