الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } * { إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ }

{ لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً } هو أن ينتف ريشه وذنبه ثم يلقيه في بيت النحل فتلدغه وقال الضحاك لأنتفن ريشه ولأشدن رجليه ولأشمسنه وقال مقاتل لأطلينه بالقطران ولأشمسنه وقيل لأودعنه القفص وقيل لأفرقن بينه وبين إلفه وقيل لأمنعنه من جواري وخدمتي وقيل لأجمعنه مع غير جنسه وعن ابن عباس لانتفن ريشه فلا يمتنع عن النمل وقيل لألزمنه خدمة الأقران والأول قول اكثر المفسرين. { أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ } بالف بعد اللام الف في كتب المغاربة لوجودها في الامام كذلك ومثل هذا مما هو خلاف قاعدة الخط قد اكتبه على رسمه في كتبهم وقد اكتبه قاعدة الخط وان قلت كيف يجوز له ان يعذبه او يذبحه انتقاما انتفاعا؟ قلت الطير مأمورة بطاعته مكلفة كتكليفنا لكن لا يعذبها الله بنار الآخرة فبمعصيتها لسليمان استوجبت عقابا كما ذكره سليمان وليس عقابه انتقاما لنفسه ولكن لمجرد الردع لذلك الطائر وغيره عن المعصية والتصرف والانصراف بغير إذن وبذلك يتم ملكه الذي أعطاه الله إياه كذا ظهر لي ثم رأيت والحمد لله مثله لجار الله اذ قال يجوز ان يبيح الله له ذلك لما رآه فيه من المصلحة والمنفعة كما أباح ذبح البهائم والطيور للأكل وغيره من المنافع واذا سخر له الطير ولم يتم ما سخر من اجله الا بالتأديب والسياسة جاز ان يباح له ما سيصنع به. { أَوْ لِيَأتِيَنِّي } وقرأ ابن كثير { أو ليأتينني } بنونين أولاهما مشددة مفتوحة. { بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } برهان ظاهر على عذر والحلف في الحقيقة على التعذيب او الذبح بتقدير عام الاتيان بالسلطان المبين لكن لما اقتضى ذلك وقوع احد الثلاثة ثلث الأمرين بقوله { أَوْ لِيَأتِيَنِّي } كأنه قال والله ليكونن أحد الثلاثة الإتيان بالسلطان المبين او التعذيب او الذبح ان لم يكن الاتيان بالسلطان، ثم دعا العقاب وهو سيد الطير وأشده فقال له عليَّ بالهدهد الساعة فارتفع حتى رأى الدنيا كالقصعة فالتفت يمينا وشمالا فإذا هو بالهدهد مقبلا من اليمن فانقض العقاب يقصده بسوء فناشده الله وقال بحق الذي قواك وأقدرك عليَّ إلا رحمتني ولم تتعرض لي بسوء وقال ويحك ثكلتك أمك ان نبي الله عليك غضبان وقد حلف ليعذبنك أو يذبحنك ثم طارا متوجهين نحو سليمان عليه السلام فلما انتهى الى العسكر تلقته النسور والطير وقالوا له ويلك أين غبت في يومك هذا فلقد توعدك نبي الله وأخبروه بما قال فقال الهدهد وما استثنى؟ قالوا بلا أو ليأتيني بسلطان مبين قال نجوت اذاً فطار العقاب والهدهد حتى أتيا سليمان وكان قاعدا على كرسيه فقال العقاب قد أتيتك به يا نبي الله. فلما قرب الهدهد منه رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما إلى الأرض تواضعا لسليمان فلما دنا منه أخذ برأسه فمده اليه فقال أين كنت لأعذبنك عذابا شديدا أو لأذبحنك؟ فقال الهدهد أذكر وقوفك بين يدي الله تعالى فارتعد وعفى عنه وما كان وقت غيبته الا قليلا خوفا من سليمان عليه السلام كما قال الله جل وعلا { فَمَكَثَ } بضم الكاف وفتحه وعاصم { غَيْرَ بَعِيدٍ } أي زمانا غير بعيد أي غير طويل فهو ظرف زمان أو الأصل مكثا غير بعيد فهو مفعول مطلق وقدر الله سبحانه مكثه غير بعيد ليعلم كيف كان الطير مسخرا له ولبيان ما أعطي من المعجزة الدالة على نبوته وعلى قدرة الله عز وجل.

السابقالتالي
2 3 4