الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً }

{ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ } سماع تفهم { أَوْ يَعْقِلُونَ } ما تقول لهم فتهتم بِشأنهم وتطمع في ايمانهم فاما ان يريد ما ذكرت فيكون ما بعد ذلك مبنيا عليه ومزيدا للكشف عن حالهم واما ان يريد تشبيههم بالصم المجانين فيكون ما بعده غير مبني عليه لكنه كشف لحالهم بطريق اخرى وام للاضراب والهمزة وهذا ذم لهم اشد من الذم الذي قبله للاضراب به عن هذا الذي قبله وانما ذكر الاكثر ولم يعمم لان منهم من آمن ومنهم من عقل الحق ومنعه عن الايمان الاستكبار وحب الرئاسة وكفى به داء عضالا. { إِنْ هُمْ } اي ما هم * { إلاَّ كَالأَنْعَامِ } لا يتعظون كما لا تتعظ الانعام ما لم يخلق الله لها عقلا وكما ان الانعام تسمع صوت الوعظ ولا تعقل حقيقته فكذلك هم يسمعون الصوت ولا يتعلق بقلوبهم فيعموا به فليسوا تؤثر فيهم الآيات والمعجزات فهم باقون على الشرك والمعاصي { بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } من الانعام فان الانعام ولو كانت تنقاد لاربابها التي تعلفها وتسقيها وتعرف من يحسن إليها ومن يسيء وتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرها وتهتدي لراعيها ومشاربها لكن قد ضلت عن منافع لا تهتدي إليها وعن اجتناب مضار فانها لو رأت مثلا ابرة مغروزة بالارض أو سيفا لم تجتنب وطء ذلك ولو كان يضرها ومثل ذلك كثير فهي ضالة ضلالة دنيوية وضلالة الكفار اشد لانها اخروية دائمة وايضا دنيوية مخزية الا تراهم بأقبل على ما يحل به مالهم ودمهم ويسبي ذراريهم الا ذراري قريشي لا يسبى. وقيل العرب كلها لا تسبى ذريتهم وانت خبير ان الكفار لا ينقادون لربهم ولا يعرفون احسانه إليهم من ايتائه الشيطان الذي هو عدوهم ولا يطلبون الثواب الذي هو اعظم المنافع ولا تذوقون العقاب الذي هو اشد المضار. ويجوز ان يكون وجه اسم التفضيل وجها آخر غير ما مر وهو ان الانعام ضالة عن طريق الآخرة اي غير عارفة به وغير عاملة له لان الله تعالى سبحانه لم يخلق لهم من التمييز ما يوجب ذلك لكنها لم تعتقد باطلا ولم تكسب شرا وهؤلاء ضالون عن طريق الآخرة ومعتقدون للباطل ومكتسبون للشر فضلالتهم اشد. ووجها آخر هو أن ضلالتها لا تضر احدا وضلالتهم تؤدي إلى هيجان الفتنة وصد الناس عن الحق. ووجها آخر هو ان ضلالتهم اشد لتمكين الله اياهم بالعقل على الحق وهي لا عقل لها فلا تقصير منها. ووجها آخر انهم اضل من كل من يتصف الضلالة. ووجها آخر هو اضل بمعنى ضالون اي بل هم ضالون سبيلا بخلاف الانعام فانها تسبح وتذكر الله وتؤمن بالرسل.