الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ }

{ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءَ بِقَدَرٍ } بمقدار معلوم سبق به القضاء لا يزيد ولا ينقص. وقيل بقدر ما علم الله انه يكفيهم زرعا وغرسا وشربا وغير ذلك أو بقدر ما ينفع ولا يضر. وعن ابن عباس ما عام أكثر مطرا من عام ولكن يصرفه في الارض حيث شاء * { فَأَسْكَنَّاهُ } جعلناه ساكنا * { فِي الأَرْضِ } يجري في عيونها منها ما هو ظاهر ومنها ما يحفر اليه حفرا. وقيل المراد باسكانه في الارض ابقاءه غدرانا ينتفع به في الصيف عند انقطاع المطر وهو ضعيف والاول قول الكلبي * { وَإِنَّ عَلَى ذَهَابِ بِهِ } الباء للتعدية اي على اذهابه اي ازالته * { لَقَادِرُونَ } كما قدرنا على انزاله فيموتون هم ودوابهم عطشا ولكن ابقيناه ولم نذهبه رحمة لهم ونكر الذهاب اشارة للتنويع اي على وجه من وجوه الذهاب فلو شاء اذهبه باعدامه وازالته ولو شاء اذهبه بافساده بحيث لا ينتفع به لطول مكثه ولو شاء لاذهبه بالصعيد ولو شاء لاذهبه بالتعميق بحيث لا يستطاع اخراجه والله لا يمتنع عنه شيء اذا اراده فقيدوا نعمة الماء بالشكر فانها عظيمة وهذا ايعاد ابلغ من الايعاد في قوله { قل ارايتم ان اصبح ماؤكم غورا } الخ واسند ابو بكر بن الخطيب في أول تاريخ بغداد عن ابن عباس وابن العربي في احكامه والبغوي بسند عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله سبحانه انزل من الجنة إلى الارض خمسة انهار سيحون وهو نهر الهند وجيحون وهو نهر بلخ ودجلة والفرات وهما نهرا العراق والنيل وهو نهر مصر انزلها الله تعالى من عين واحدة من عيون الجنة من اسفل درجة من درجاتها على جناح جبرائيل فاستودعها الجبال واجراها في الارض وجعل فيها منافع للناس في اصناف معايشهم فذلك قوله تعالى { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءَ بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ }. فاذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج ارسل الله تعالى جبريل ورفع من الارض القرآن والعلم كله والحجر من ركن البيت ومقام ابراهيم وتابوت موسى بما فيه وهذه الانهار الخمسة إلى السماء فذلك قوله تعالى { وَإِنَّا عَلَى ذَهَابِ بِهِ لَقَادِرُونَ } فاذا رفعت تلك الاشياء من الارض فقد اهلها خير الدين والدنيا. وفي رواية خير الدنيا والآخرة واللفظ لابي بكر بن الخطيب. قال عياض والصواب ان الماء في الآية شامل للانهار المذكورة وغيرها وكل ما في الارض من ماء فهو من السماء.