الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً } الاستفهام للتقرير ولذلك رفع تصبح عطفا على انزل ولو نصب في جوابه لدل على نفي الاخضرار وهو ثابت مثاله ان تقول الم ترني انعمت عليك فتشكر ان نصبت فانت ناف لشكره، شاك تفريطه فيه وان رفعت مثبت لشكره وهذا وامثاله مما يجب ان يرغب فيه من اتصف بالعلم في علم الاعراب وتوقير أهله. قال شيخ الاسلام ووجه ذلك ان النصب بتقدير ان وهو علم للاستقبال فيجعل الفعل مرتغبا والرفع جزم باثباته وكذلك يرفع ان جعل الاستفهام للانكار. وان قلت الفاء للتعقيب واصباح الارض مخضرة لا يكون عقب انزال الماء؟ قلت هي للتعقيب ولكن التعقيب في كل شيء بحسبه نحو، تزوج فلان فولد له إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل ولو كانت مدة طويلة. وقيل الفاء هنا للسببية وفاء السببية لا تستلزم التعقيب بدليل صحة قولك ان يسلم فهو يدخل الجنة ومعلوم ما بينهما من المهلة. قاله ابن هشام وذكر التوجيه الاول السعد والرضي ايضا وضعف الدماميني ذاك القول الثاني بان الاصل في الفاء السببية استلزام التعقيب وان عدمه في بعض المواضع كالمثال لعدم استكمال السبب إذ السبب التام لدخول الجنة في المثال مجموع الاسلام واستمرار حكمه لكن اطلاق السبب على جزئه مجازا له باختصار ويجاب بان السبب عند علماء الادب كون الشيء له مدخل في غيره لا السبب التام الذي يلزم وجوده وجود المسبب ولك ان تقول الفاء استعملت في الآية بمعنى ثم مجازا ومعنى تصبح تصير. وان قلت لَم عبر بالمضارع والمعنى على المضي؟ قلت الذي يظهر لي انه عبر بالمضارع مرادا به الحال استحضار لصورة الاخضرار. وقال جار الله عبر بالمضارع ليفيد بقاء اثر المطر زمانا بعد زمان كما تقول أنعم علي فلان عام كذا فأروح وأغدو شاكرا له فلو قلت فرحت وغدوت لم يقع ذلك الموقع. وهو ايضا حسن. ومخضرة اسم فاعل اصله مخضررة بكسر الراء الاولى حذف كسرها وادغمت في الراء وقرئ مخضرة بكسر الضاد وتخفيف الراء أي ذات خضرة كمبقلة ومسبعة أي ذات بقل وسباع. وان قلت تصبح الارض مخضرة معطوف على الخبر فكانه خبر فيحتاج الرابط؟ قلت ذكر ابن هشام ان الربط يكون بفاء السببية كما يكون بالضمير هذا ويصح ان تكون الفاء للتعقيب اتصالا عبارة عن استعجال لاخضرار اثر نزول الماء. وعن عكرمة ان التعقيب هنا حقيقي وان هذا يختص بمكة وما حولها. قال عياض ينزل الماء ليلا قرب الصبح فتنبت الارض في الصبح قال وقد شاهدت هذا في السوس الاقصى نزل المطر ليلا بعد قحط فاصبحت تلك الارض الرملة التي تسفيها الريح قد اخضرت وقد شاهد الثعالبي ذلك في رحلته للحج بصحراء سواكن { إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ } بعباده في اخراج النبات بالماء رزقا لهم ولدوابهم وحطبا ومنفعة للبيوت وغيرها. وقيل اللطف وصول علمه أو فضله إلى كل ما دقّ وجل. وقيل احكام الامور برفق { خَبِيرٌ } باعمالهم ومنافعهم وبكل ظاهر وباطن. وقيل خبير بما في قلوبهم عند تأخر المطر.