الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ }

{ فَفَهَّمْنَاهَا } أى الحكومة، أو القضية المفهومة من الكلام. وقرئ ففهمناه { سُلَيْمَانَ } أى ألهمناه إياها، مفعول ثان مقدم، وسليمان مفعول أول. { وَكُلاًّ } داود وسليمان { آتَيْنَا حُكْمًا } نبوة { وَعِلْمًا } بأمور الدين، على وجه الاجتهاد. وقيل على طريق الوحى. فضل الله حكم سليمان، ونسخ به حكم داود. وفى ذلك دليل أن الاعتبار بالحق لا بالتقدم والأبوة ونحوهما. فقيل حكما بالوحى، ونسخ وحْىُ سليمان وحْىَ داود. وقيل بالاجتهاد بناء على جوازه للأنبياء. والاجتهاد لا ينسخ الوحى، فيحتمل أن الله قد عرفهما أن حكم سليمان هو الحق. ويحتمل أنه لم يعرفهما، وأخبر الله به هذا النبى الكريم. والحاكم المجتهد إذا أخطأَ فله أجر واحد، ولا إثم إلا فى الخطأ فى الأصول. وإذا أصاب فله أجران. وإذا اختلف المجتهدون، فالحق مع واحد فقط عند الله، لا معهم، على الصحيح. ويمكن خطؤهم. وفى مضمونه { وكلا آتينا حكما وعلما } دليل على إصابتهما لكن أحدهما أولى. روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رجلين دخلا على داود أحدهما صاحب حبوب، والآخر صاحب غنم. قلت ظاهر هذه الرواية أن الحرث فى الآية الزرع. قال فقال صاحب الزرع إن غنم هذا أكلت زرعى ليلا وأفسدته، ولم يبقى شئ. قلت هذا نص أن الحرث الزرع. وإنما كتبت ما كتبت من الاستظهار، قبل اطلاعى على هذا. فأعطاه داود رقاب الغنم، فخرجا فمرا على سليمان فقال كيف قضى بينكما؟ فأخبراه. فقال سليمان لو وليت أمركما لقضيت بغير هذا. وقيل قال غير هذا أرفق بهما. فأُخبر بذلك داود فدعاه وقال كيف تقضى؟ وروى أنه قال بحق النبوة والأبوة إلا ما أخبرتنى بالذى هو أرفق. قال صاحب الغنم يدفع الغنم إلى صاحب الحرث ينتفع بدَرِّها ونسلها وصوفها ومنافعها، ويزرع صاحب الغنم لصاحب الحرث مثل حرثه، ويقوم به حتى يصير كهيئته، فيدفعه إلى صاحبه ويرد غنمه. فقال داود القضاء ما قضيتَ. حكم بذلك. وفى ذلك بيان أن الغنم هنا الضأن لقوله وصوفها. وسليمان إذ ذاك ابن إحدى عشرة سنة. ووجه حكومة داود أن الضرر وقع بالغنم فسلم بجنايته إلى المجنى عليه، كما أن العبد إذا جنى مثل قيمته أو أكثر بلا أمر صاحبه، فالمجنى عليه يأخذ العبد له، عند بعض أصحابنا. وبه قال أبو حنيفة وزاد أو يفديه صاحبه. وقال الشافعى يبيعه فى ذلك أو يفديه. وقال بعض أصحابنا الخيار له يدفعه أو قيمته، وإن أمره لزمه كل ما فعل. قال جار الله ولعل قيمة الغنم كانت على قدر النقصان فى الحرث. ووجه حكم سليمان أنه جعل الانتفاع بالغنم بإزاء ما فات من الانتفاع بالحرث، وأوجب على صاحب الغنم أن يعمل فى الحرث حتى يرجع كما كان، بناء على أنه بقيت أصوله، أو يجدد حرثا يربيه، حتى يصير كذلك، وصاحب الحرث لم يأخذ زيادة فإنه ولو كان قد رجع حرثه، واستنفع بالغنم، لكنه قد يغنىَ بالغنم، كما أن من غصب عبدا، وأبقى من يده، يرد قيمته إلى صاحبه ينتفع بها.

السابقالتالي
2 3