الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ }

{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } القسط مصدر نعت به مبالغة ولذا أفرد كأنها لشدة قسطها نفس القسط، أى العدل، أو يقدر مضاف، أى ذوات القسط، أو يؤول بقاسطة، بمعنى عادلة. والحق عندنا - معشر الأباضية - أن وضع الموازين كناية من إثبات الحساب فى المكلفين، وجزائهم على أعمالهم، أى يبالغ فى الحساب مبالغة شديدة كما قال { فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا } أى ظلمًا، أو مفعول ثان لتظلم، بمعنى تُنقَّص، أو تمييز محول عن النائب على هذا المعنى، أى لا يُنقص شئٌ نَفْس، أى عملها، أى لا يُنقص من حسناتها، ولا من سيئاتها، واللام ظرفية، أى فى يوم القيامة قاله أبو حيان وابن هشام. وعن بعض بأنها بمعنى عند. وقيل للتعليل، على حذف مضاف، أى لأجل يوم القيامة. وقال الشنوانى أو الجزاء يوم القيامة. { وَإِنْ كَانَ } تامة بمعنى حصل { مِثَالَ } زنة { حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ } ما يرى فى الشمس من الهباء، أو بذر اللفت ونحوه. وقرأ غير نافع بنصب مثقل على نقصان كان، واسمها ضمير الفعل، قبل أو فى غير الظلم، وهو ضعيف، إن لم يكن باطلا. { أَتَيْنَا بِهَا } الباء للتعدية، أى أحضرناها، وضمير المؤنث للمثقال، وإنما أنث لتأويله بالزنة، أو لإصابته للمؤنث، مع صحة الاستغناء عنه، فإنه لو قيل وإن كانت حبة من خردل، لظهر المراد. وقرأ ابن عباس ومجاهد آتينا بالمد، أى أعطينا صاحبها ثوابها أو عقابها وعُدِّىَ بالياء، لتضمنه معنى المجازاة، أو هو بمعنى المؤاتاة، فإنهم أتوا بالعمل، وأتاهم بالجزاء. وقرأ حميد أَثَبْنَا بِهَا، من الثواب. وقرأ أُبىّ فجئنا بها. { وَكَفَى بِنَا } الباء صلة، ونا فاعل به. { حَاسِبِينَ } حال لا تمييز، لضعف كون التمييز وصفًا. والمعنى إن حسابنا كان فوق كل حساب لكمال علمنا وحفظنا. وفى ذلك توغيب فى الحسنات وبعُد عن السيئات قال صلى الله عليه وسلم لا تغتروا بالله، فإنه لو كان مُغْفِلاً شيئًا لأغفل الذرة والبعوضة والخردلة. فصل مذهبنا - معشر الأباضية - كما مر - أن الميزان عبارة عن إثبات الحساب والجزاء، وإظهار أن فعلك أيها المكلف كذا وكذا، قد أوجب لك من الخير أو الشر كذا وكذا أصح. وإن شرَّك مغفور، وخيرك مقبول. وإن خيرك غير مقبول، وشرَّك مؤاخذ به، وذلك مذهب أكثر المعتزلة. وقالت الأشعرية وغيرهم إن الميزان عمود وكفتين ولسان، وإن طول الدنيا وسعة كفتيه سعة السماوات والأرض. وروى أن داود - عليه السلام - سأل ربه أن يريه الميزان، فأراه كل كفة ما بين المشرق والمغرب. فلما رآه غُشى عليه، ثم أفاق وقال إلهى من الذى يقدر أن يملأ كفته حسنات؟ قال يا داود إنى إذا رضيت عن عبدى ملأتها بتمرة.

السابقالتالي
2 3