الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ }

{ بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاَء } الكفرة، استدراجًا بالصحة، وطول العمر، والمال، والنعم. { وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ } أى ظهر لهم طوله، فاغتروا بذلك، وظنوا أن لا يزول عنهم. وقيل المراد طال عليهم العمر بلا مجئ رسول إلى أن جاءهم محمد وبل فى { بل تأتيهم } للانتقال إلى ما هو أعظم من عدم كفهم النار عن أنفسهم، وهو كون وقت ذلك يأتى بغتة، أو للإضراب عما يتوهم من بعد، أو امتناع الوقوع. والإضراب فى قولهبل هم عن ذكر } الخ، والإضراب فى قولهأم لهم } إلى آخره، هما عن الأمر بالسؤال على الترتيب، فإنه عن المعرض الغافل عن الشئ بعيد. وإنما يُسأل عن الشئ المقبل إلى ذلك الشئ العالم بحاله، وعن المعتقد لنقيضه أبعد. والإضراب فى { بل متعنا } هو عما توهموا، أضرب عنه ببيان ما هو الداعى إلى حفظهم، وهو الاستدراج، أو أضرب عن الدلالة على بطلانه، ببيان ما أوهمهم ذلك، وهو أنه تعالى متَّعهم بذلك، فتوهموا أنه بسبب ما هم عليه، وهو أمل كاذب كما قال { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } بتسليط المسلمين على أهلها الكفار، يفتحها الله للنبى صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، ويزيل حكمهم منها ويطوى نشرهم. والإتيان الإرادة هنا والقصد، كأنه قيل نريدها بالنقصان. وننقص حال مقدرة. ولو قال أفلا يرون أننا ننقص الأرض من أطرافها لصح، لكن عبر بالإتيان تصويراً لما يجرى الله على أيدى المسلمين، من أنهم يأتون أرض المشركين، ويغزونهم ويغلبونهم، أو كما يقول السلطان قتلنا فى موضع كذا وكذا غالبين وإنما قتلت جنوده. أو الأصل يأتيها جنودنا، فحذف المضاف فتاب المضاف إليه، فجئ بنقص موافقًا له، والأصل ينقصونها. { أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ } لا بل الغالبون هم النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بالقبر وموت رؤوس المشركين المستعجلين، أفلا يصدقون بمحمد!! وعن ابن عباس نقْصها من أطرافها إماتة فقهائها وعلمائها. قيل موت عالم أحب إلى إبليس من موت ألف عابد. ومراد ابن عباس الفقهاء والعلماء من الأمم السابقة يميتهم الله، ويبقى الناس بلا دين، ويطيل أعمارهم فى المعاصى، وذلك استدراج شديد، وهم المفرِّطون فى أخذ الدين، حتى مات أهله. وليس ذلك ليكونوا غالبين، بل ليموتوا كفرة على يد غالبهم، وهو النبى صلى الله عليه وسلم. والأول قول الحسن. وروى عنه أن الله جل وعلا يبعث قبل القيامة ناراً تطرد الناس من أطراف الأرض إلى الشام، تنزل إذا نزلوا، وترحل إذا رحلوا، وتقوم القيامة عليهم فى الشام، وإن ذلك هو قوله تنقصها من أطرافها. أفيظن المشركون أنهم يغلبون هذا الأمر، ويمتنعون منه كأنه قال أفلا يعلمون ذلك، وإن لم يعلموا فليعلموا.