الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }

{ وَلَتَجِدَنَّهُم } تعلمنهم والمضارع هنا للحال المستمرة قبل وبعد أو للاستقبال، أى تعلم بعد وقتك هذا أنهم أحرص الناس بعد عدم علمك بحرصهم أو بعد علمك بأنهم حريصون، لأنهم أحرص عن جميع الناس والضمير المنصوب محلا لليهود. { أَحْرَصَ النَّاسِ } أى أحرص من غيرهم من الناس كلهم، وإنما يضاف اسم التفضيل لما هو بعضه وهم بعض الناس فى الجملة لا فى الآية، ومرادى أن يضاف إلى لفظ شامل له بحسبه وضع اللغة لا بحسب المراد منه فى المقام، فإن لفظ الناس بحسب اللغة شامل لليهود ولا يشملهم فى الآية ونحوها، إذ لا يفضل الشئ على نفسه وغيره، كما لا يفضل على غيره، وأجاز الكوفيون أن يضاف إلى ما ليس هو بعضه، ولما أضيف إلى معرفة جاز إفراده، ولو وقع على جماعة ولو طابق ما وقع عليهِ لقيل أحرصى الناس بياء الجمع، ويحذف نونه للإضافة، قال ابن هشام والغالب ترك المطابقة كما فى الآية، وابن السراج يوجبه يعنى يوجب تركها ويرده إلى أكابر مجرميها، وإن جعل أكابر غير مضاف لمجرميها بل مفعولا ثانياً ومجرمى أولا لزمه ثبوت المطابقة مع التجرد من أول الإضافة لمعرفة إذا قيل أكابر الأكبر وذلك لا يجوز. انتهى بصرف وزيادة إيضاح. { عَلَى حَيَاةٍ } نكر الحياة للتعظيم وللدلالة على النوع. والنوع فرد الجنس، وإن شئت فقل للدلالة على فرد من أفراد الحياة، والمراد حياة متطاولة، فالتنكير أبلغ من قراءة أبى، أحرص الناس على الحياة بالتعريف، وإقسام الله على أنهم أحرص الناس على حياة، تذييل وتقرير بقوله { ولن يتمنوه أبداً }. { وَمِنَ الذينَ أُشْرِكُوا } عطف على من التى يتضمنها قوله أحرص الناس وعلى الناس فهو من العطف على المعنى المسمى فى غير القرآن عطف التوهم، إذ المعنى أحرص من الناس والذين أشركوا العرب والمجوس ونحوهم ممن أنكر البعث للثواب والعقاب، فإن العرب تنكره والمجوس كذلك، وتقول المجوس بالنور والظلمة، وقيل لم يقولوا أيهما، وقيل المراد بالذين أشركوا المجوس لأنهم كانوا يقولون ملوكهم عشر ألف نيروز وألف مهرجان يعنون أعيادهم، وعن ابن عباس هو قول الأعاجم زه هزار سال، أى عش ألف سنة، وقال الحسن المراد مشركو العرب، وخص المشركين المنكرين للبعث بالذكر مع شمول لفظ الناس لهم، ومع أن النصارى أيضاً حريصون على الحياة، وكذا غيرهم للمبالغة، إذ حرص من ينكر البعث على الحياة شديد لاقتصار همتهم على الحياة الدنيا وعدم اعتقادهم الجنة والنار، فضلا عن أن يرجو الحياة الآجلة والجنة، أو خصهم بالذكر لزيادة توبيخ اليهود، والتقريع عليهم وإيضاح كذبهم، لأنهم مقرون بالجنة مدعون أنها لهم، فلو صحت دعواهم لأحبوا الموت ليدخلوها، ولكانوا غير حراص على الحياة، فلما كانوا أحرص عليها ممن لا يعتقد الجنة، علمنا أنهم كرهوا الموت لعلمهم أنهُ لا خير لهم فى الآخرة، وما لهم فيها إلا النار، فكرهوا الموت لئلا يدخلوها بخلاف من أنكر البعث، فإن حرصه على الدنيا إنما هو لزوال لذتها عنه بالموت لا لخوفه من النار، لعدم اعتقاده إياها فلم يكن حرصه كحرص هؤلاء الأراجس اليهود، بل دونه ولم يستبعد حرصهم مع دعواهم الجنة مستبعد لأنهم لم يحرصوا ليزيلوا عبادة فكانوا أحقاء بالتوبيخ الشديد، ويجوز كون المعطوف محذوفاً أى وأحرص من الذين أشركوا دل عليهِ أحراص الناس، وذكر ابن هشام أنهُ يحذف المعطوف، ويجب أن يتبعه العاطف.

السابقالتالي
2 3