الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ }

{ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بما قدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أى بما قالوا وما اعتقدوا من الكفر بالنبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وغيره. وما فعلوا من الكبائر كتحريف القرآن، وذلك يستلزم كذبهم لما كانت عامة أفعال الإنسان بيده من جلب الخير ودفع الشر نسب تقديم العمل إليها، ولو كان من غير عملها، ولما كانت آلة للقدرة صح إطلاقها على النفس وهو معنى الآية، أى بما قدمت أنفسهم أى بما قدموا، كما نطلق على القدرة كقوله جل وعلايد الله فوق أيديهم } وأبدا ظرف مؤكد لتأييد لن توكيداً لغوياً لا اصطلاحياً فضلا عن أن يقال لا يؤكد الحرف بالاسم، ونفى تمنى الموت عنهم أبداً إخباراً بالغيب معجزة عظيمة، لا يكاد اليهود إلى أن يكابروها أمر الله نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يدعوهم إلى تمنى الموت، وأن يعلمهم أن ما تمناه منهم مات فيدخل الجنة بعد موته على زعمه، ففعل النبى ذلك فعلموا صدقه فى أنهم لو تمنوه لماتوا فلم يتمنوه، لعلمهم أن اعتقادهم وأقوالهم وأفعالهم توجب النار دون الجنة، وأنهم كاذبون، وللحرص على الحياة، ويحتمل أن الله جل وعلا تحداهم لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنهم إن صدقوا فليجعلوا علامة صدقهم تمنى الموت مطلقاً لا يقيد التعليل بأن يدخلوها كما زعموا، فمنعهم الله جل وعلا عن تمنيه لتظهر الآية لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم. وفى كلام ابن عباس والزجاج إشارة إلى ذلك، وفى كلام عياض وأبى محمد الأصيلى، فأما الزجاج فقال فى هذه الآية أعظم حجة وأظهر دلالة على صحة الرسالة، لأنه قال لهم فتمنوا الموت، وأعلمهم أنهم لم يتمنوه أبداً، فلم يتمنه واحد منهم، وأما أبو محمد الأصيلى فقال من أعجب أمرهم أنه لا توجد جماعة منهم ولا واحد من يوم أمر الله نبيه يقدم عليه ولا يجيب إليه، وهذا موجود مشاهد لمن أراد أن يمتحنهم، وأما عياض فقال ومن الوجوه البينة فى إعجاز القرآن أى وردت بتعجيز قوم فى قضايا وإعلامهم أنهم لا يفعلونها، فما فعلوا ولا قدروا عليها كقولهقل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة } . انتهى. وأما كلام ابن عباس فيأتى قريباً قال ـ صلى الله عليه وسلم " والذى نفسى بيده لا يقوله رجل منهم إلا غص بريقه مكانهُ " أعنى مات، وروى البيهقى فى الدلائل عن ابن عباس رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم " لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه وما بقى يهودى على وجه الأرض " وكان ابن عباس يقول المراد بالتمنى فى الآية السؤال بالألسنة مطلقاً، أى فاطلبوا الموت بألسنتكم وإن لم يكن الطلب من قلوبكم، وهذا يؤيد الاحتمال الذى ذكرت بقولى، ويحتمل أن الله ـ جل وعلا ـ تحداهم لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

السابقالتالي
2