الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

{ بِئسَ مَا اشْتَرَوْا بِه أنفُسَهم أن يَكْفُروا } المضارع للحال، لأن كفرهم واقع متصل. { بمَا أنْزَلَ اللهُ } من القرآن ورسالة سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو القرآن أو التوراة، أو القرآن والتوراة والإنجيل، والكفر ببعض ذلك كفر بالكل، أصل بيس بئس بفتح الباء وكسر الهمزة خفيف بإسكان الهمزة، ونقلت كسرتها إلى الباء فقلب ورش الهمزة بعد ذلك ياءً مثناة، وما عند سيبويه فاعل بئس وهى نكرة موصوفة بجملة اشتروا به، وأن يكفروا فى تأويل مصدر بدل أو بيان من ما أو خبر لمحذوف، أى هو أن يكفروا وهو المخصوص بالذم، أو مفعول بمحذوف أى أعنى أن يكفروا، ويجوز عند بعضهم أن تكون ما اسماً موصولا فاعلا، وإعراب الباقى كما مر، ويجوز أن تكون ما معرفة تامة فاعلا، والجملة بعدها نعت لمخصوص محذوف، أى بئس الشئ شئ اشتروا به أنفسهم وشئ منكر بدل أو بيان أو خبر لمحذوف، وإن يكفروا فيه الأعاريب المذكورة فيه سابقاً، وليس حينئذ مخصوصاً ولكن إذا صير إلى إبداله أبدل من ما ومن المخصوص المحذوف، وقد اختلف فى الإبدال من البدل وفى تعدد البدل الصحيح عندى الجواز، وهذا الوجه ضعيف لأن فيه تقدير المخصوص مع الاستغناء عنه بقوله { أن يكفروا } أو المشهور عن سيبويه وغيره إنما تمييز مفسر لفاعل مستتر، وجملة اشتروا به أنفسهم صفة لما، وفى أن يكفروا ما تقدم من الأعاريب، وهذا مذهب الأخفش والزجاج، وأحد قولى الفارس والزمخشرى وكثير من المتأخرين، ويضعف أن تجعل تمييز نكرة غير موصوفة مفسرة لفاعل مستتر، والجملة بعدها صفة لمخصوص محذوف لا غناء أن يكفروا عن تقدير مخصوص، وكذا يضعف أن تجعل ما كذلك والجملة بعدها صلة، لما أخرى موصولة هى المخصوص. ويبحث على الوجهين أيضاً بأن ما مساوية للضمير المستتر فى بئس فى الإبهام، فكيف تكون تمييزاً مفسرة له؟ ويجاب أن ما معناها شئ حقير بعد بئس وشئ عظيم بعد نعم، وأيضاً قد أجاز بعض أن يكون التمييز موحداً، ويجوز على الجوابين عنده مجيز جمع التمييز والفاعل الظاهر فى باب نعم وبئس أن تكون تمييزاً، وأن يكفروا فاعلا قيل معنى الآية بئس ما اشتروا به أنفسهم من عذاب النار وسخط الله، أو باعوا به أنفسهم لله عز وجل بالجنة وهو كفرهم بما أنزل الله على سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ اشتراءً أو بيعاً بحسب ظنهم فى ثبوتهما، وليسا بشئ ثابت بل شئ وجوابه النار والسخط، ورد بأنهم لم يظنوا ذلك بل فعلوا ذلك حسداً وظلماً كما قال الله جل وعلا { بَغْياً أنْ يُنَزِّلَ اللهُ من فَضْله عَلى مَنْ يَشَاءُ } أى طغياناً ومجاوزة للحد لأجل أن ينزل الله أو على أن ينزل الله فحرف الجر مقدر قبل أن متعلق ببغياً، والمضارع للحال لأن تنزيل الفضل واقع متصل، أى وقعوا فى الطغيان لتنزيل الله من فضله، لأن الله ينزل من فضله فيكفرون بما نزل، ويجوز جعل يكفروا وينزل بمعنى الماضى، ولا يجوز أن يكون أن ينزل مفعولاً لهُ لبغياً لاختلاف الفاعل، لأن فاعل البغى اليهود، وفاعل التنزيل هو الله ـ تبارك وتعالى ـ بل هو على تقدير لام التعليل أو على التعليلية أو غيرهما من حروف التعليل، والأصل اللام أو على تضمن بغياً معنا حسداً فى كذا، أو على كذا، أو استعمال بغياً بمعنى حسداً، أى حسداً على إنزال الله.

السابقالتالي
2 3