الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ }

{ وَقَالُوا } لرسول الله صلى الله عليه وسلم. { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } مغطاة بأغطية خلقت عليها فلا يصل إليها ما تقول يا محمد ولا نَفْقَه، وهذا كذب منهم بل ذل قلوبهم وفهموه حقا ولم تخلق عليهم أغطية وجحدوه عمداً، ويحتمل أن يكونوا قالوا ذلك عناداً ظاهراً وجحوداً مواجهاً، بمعنى أن قلوبهم لم تقبل ما جاء به، ولو كان حقا. ويحتمل أن يكون ذلك كناية عن أنهم لا يقبلون كلامه، ولو قبلته قلوبهم وكان حقا، ويحتمل أن يكون المعنى أن قلوبهم تأبى قبول ما قال، لكونه خطأ فذلك كناية منهم ـ قبحهم الله ـ عن أن ما يقول ليس بحق، وأنه لو كان حقا لأثر فى قلوبهم. وإن قلت كيف صح الاحتمال الذى قبل هذا، مع أن لفظ قلوبنا غلف ينافيه؟ قلت صح لأنه لا يلزم استعمال الكناية فى المعنى الحقيقى مع لازمه، بل تستعمل فيها تارة وتستعمل فى لازمة فقط أخرى، وعدم قبول كلام الإنسان فى الجملة يجوز أن يكون عن كون قلب السامع مغطى، والغلف جمع أغلف، والأغلف الذى لم يختن، استعير للقلب المغطى بجامع كون الستر على كل من القلب بما غطى به فى زعمهم، ومن رأس الذكر بالغفلة التى يقطعها الخاتن، ولذلك صح ذلك الجمع هنا ومفرده فإن أفعل وفعلا فيما هو خلقه أو لون كأبكم وبكم وأحمر وحمر، قال الحسن غلف قلف لم تختن، لقولك يا محمد، وقال ابن مجاهد عن أبيه غلف أى فى أكنة، والمعنى واحد، لأن هذا معنى لفظ الاستعارة فى كلام الحسن، وتفسير الغلف بالمغطاة مروى عن ابن عباس، وهو أيضاً معنى ذلك اللفظ، وذلك كقولهقلوبنا فى أكنة مما تدعونا إليه } وفى رواية عن ابن عباس أن الغلف جماعة، والواحد غلاف وأصله غلف بضم اللام كالغين سكن تخفيفاً، وقد روى عن أبى عمر شذوذاً بضم اللام كالغين على أصل، وإن المعنى إن قلوبنا أوعية للعلم لا تسمع علماً إلا وعنه، ولا تعى ما تقول لأنه ليس حقاً، وقيل قلوبنا أوعية للعلم مملوءة به، مستغنية عما تقول قال الله ـ عز وجل ـ ردا عليهم { بَل لَّعَنتمُ اللهُ بِكُفْرِهِم } أى لم يخلق الله غطاء على قلوبهم مانعاً من فهم ما يقول محمد. وقبوله وإنما خلقهم على الفطرة والتمكن من فهمه وقبوله ولذلك عصوا بمخالفة التوراة فكفروا فأبعدهم الله بكفرهم الموجب للإبعاد عن قبوله وفهمه، فذلك خذلان فبطل تمكنهم بسوء اختيارهم مخالفة التوراة وذلك جزاء على الذنب بذنب أعظم منه، ويجوز أن يكون لما زعموا أن قلوبهم ممتنعة من قبوله وفهمه لكونه غير صواب، رد الله تعالى عليهم بأنها لم تمتنع لكونه غير صواب، لأنه صواب، بل امتنعت للخذلان الذى جره كفرهم السابق من مخالفة أمر التوراة، كقوله { يضل من يشاء } وقوله

السابقالتالي
2