الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }

{ وَلَقدْ آتَيْنَا مُوسى الْكِتابَ } التوراة نزلت عليه بمرة، واللام فى قوله لقد لام ابتداء عند بعض، ولام جواب قسم محذوف عند بعض، ورجحه كثير ومعناه التوكيد على القولين، قال السهولى موسى مفعول ثانى والكتاب مفعول أول، ووجهه عندى أن همزة آتينا للتعدية، صيرت الفاعل مفعولا وهى مزيدة على أتى الثلاثى للتعدية والمفعول الذى أصله فاعل هو الذى يسمى مفعولا أولا، والمعنى ولقد جعلنا الكتاب آتياً موسى بالغاً إليه، وقال غيره موسى مفعول أول والكتاب مفعول ثان، ووجهه عندى أنه ضمن آتينا معنى أعطينا، فكان موسى آخذاً فهو الفاعل فى المعنى فهو المفعول الأول. { وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ } تشديد قفينا للتأكيد والياء للتعدية قائمة مقام الهمزة التى للتعدية، ويجوز كون التشديد للتعدية لا للتأكيد، والرسل مفعول به والياء زائدة فيه، والمعنى اتبعنا الرسل بعضها بعضاً أى صيرنا بعضها يتبع بعضاً. قفى زيد عمراً أى جعله قافياً إياه، أى تابعاً له وذلك من القفا ويقال أيضاً قفيت فلاناً فلاناً إذا جئت به من جهة قفاه، وقفوته بالتخفيف تبعته، وقفوته ببكر أى تبعته به، ويقال ذنبته بالتشديد أى صيرته ذنباً، والمعنى اتبعنا الرسل الكثيرة بعد موسى بعضاً خلف بعض، وهم يوشع وإسمؤيل وشمعون وداود وسليمان وشعيا وأرميا وعزير وحزقيل وإلياس واليسع ويونس وزكريا ويحيى وغيرهم، كما ذكره الزمخشرى، وكلهم يحكمون بالتوراة حتى بعث الله عيسى بن مريم وأنزل عليه الإنجيل وخالف بعض الإنجيل بعض التوراة، فقال بعضهم الإنجيل هو المراد بالآيات البينات فى قوله عز وجل { وآتَيْنَا عيسَى بنَ مَرْيَم الْبَيِّنَاتِ } أى الآيات الواضحات الدالة على الأحكام الشرعية، وهى الآيات التى تتلى فى الإنجيل، وقال الكلبى البينات المعجزات الواضحات كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، والإخبار بالغيب بإذن الله، وقيل الحجج التى يحتج بها فى كلامه، ويجوز أن يراد ذلك كله، وعيسى بالسريانية وهى العبرية يشوع بالشين المعجمة، ويقال أيضاً بالمهملة ومريم علم لأمه رضى الله عنها، وأصل هذا اللفظ بالعبرية صفة بمعنى الخادم، سميت به وتلقيت عليه الاسمية، وقيل المريم فى لسان العرب موجود بمعنى المرأة التى تحدث الرجال وتميل إليهم، كالزئر بكسر الزاء بعده همزة وهو الرجل الذى يحب محادثة النساء ومجالستهن، قال رؤبة يمدح السفاح أو المنصور
قلت لزير لم تصله مريم قليل أهوى الصبى تندسى   
وهذه فى لغة العرب، وليست هذه الصفة فى مريم إلا أن أحبت محادثة الأنبياء والعلماء، ووزن مريم بالمعنى العربى، مفعل فميم زائدة والياء أصل من رامه يرميه إذا فارقه أو لازمه يستعمل بالمعنيين، وليس وزنه فعيل بأصالة الميم وزيادة الياءَ لأن هذا غير موجود فى الأبنية، بل الموجودة فعيل بضم الفاءِ كعليب وفعيل بكسرها كعثير.

السابقالتالي
2 3 4