الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

{ ثُمَّ أنتُم هَؤلاءِ } أنتم مبتدأ وألاء خبراً والجملة معطوفة على أقررتم عطف اسيمة على فعلية، وإنما كان العطف بثم الموضوعة على تراخى وقوع الفعل أو تراخى عدم وقوعه، ليفيد استبعاد ما فعلوه من نقض الميثاق مع الإقرار به والشهادة عليه، عن الصواب والدين ومقتضى العقل، فقد استعملت ثم للتراخى فى غير النسبة مع أنها وضعت للتراخى فى النسبة فقط استعمالا للمقيد فى المطلق، ولك أن تجعلها بمعنى الواو أو الترتيب فى الإخبار بلا تراخ، وهكذا فى مثل ذلك مما لم تستعمل فيه للتراخى فى النسبة، وأشار بلفظ هؤلاء إلى الناقضين للميثاق، وإن قلت كيف صح عطف هذه الجملة بثم الدالة على التراخى على الوجه الأول، مع أن هؤلاء الناقضين أبداً هم أنفسهم أعينهم لا تمضى مدة متراخية ولا غير متراخية، وهم فيها غير أنفسهم فإنهُ لا يقال لزيد ثم أنت زيد، لأنه هو زيد قبل وبعد وفى الحال، قلت نزل تغير الصفة منزلة تغير الذات فإن تغير الصفة التى هى الوفاء الواقع تحقيقاً أو إمكاناً إلى الصفة التى هى النقض كتغير الذات، ولذلك صح الإخبار عن لفظ أنتم بما هو نفس مدلوله، إذ المعنى ثم أنتم بعد ذلك هؤلاء الناقضون، كقولك ثم أنت ذلك الرجل الذى خان وغدر بعد ما أكرمته وائتمنته، ولذلك أيضاً صح العطف على أقررتم، كأنه قيل أقررتم ثم نقضتم، ومن تنزيل تغير الصفة منزلة تغير الذات قول المشركين فى شأن الذى أرسلوه إلى سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ مشركاً ورجع مؤمناً والله لقد رجع بغير الوجه الذى ذهب به. وقال أبو الحسن بن أحمد الباد أنتم خبر وهؤلاء مبتدأ، واعترضه أبو حيان بأنه لا داعى إلى جعل مبتدأ أنتم وهؤلاء خبر مع سلامته من تقديم وتأخير. قلت لعل داعيه أنه قلما يجتمع الضمير والإشارة يخبر بأحدهما عن الآخر إلا قرن الضمير بها للتنبيه، وجئ بعده باسم الإشارة مجرداً منها ومقروناً، فحينئذ يتبادر كون الضمير مبتدأ لقرنه بهاء التنبيه، ومثل الآية قوله تعالى { هم أولاء } والجملة على كل حال وعيد لهم لاعتبار ما أسند إليهم من الأفعال القبيحة حصوراً للفظ أنتم.. إلخ، وباعتبار ما حكى عنهم غيباً لقوله يردون. { تَقْتلون } حال ناصبها معنى الإشارة، وبهذه الحال تم المعنى كما قال ابن الباذش، ويجوز كون هذه الجملة بدلا من قوله { أنتم هؤلاء } أو عطف بيان عند من أجازه فى الجملة، أو مستأنفة لبيان الجملة قبلها، وقيل هؤلاء منادى بحرف محذوف، وتقتلون خبر أنتم، أى ثم أنتم يا هؤلاء تقتلون وحذفه مع الإشارة قليل منع سيبويه القياس عليه، قال ابن هشام شذ حذفه معها فى قوله

السابقالتالي
2 3 4 5