الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ }

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ }.. إلخ الكلام فيه كالكلام فى الذى تقدم. { لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُم ولا يُخْرجونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكمُ } يحتمل تقدير مضافات أى لا يسفك بعضكم دماءَ بعضكم، ولا يخرج بعضكم أنفس بعضكم من ديار بعضكم، أى من دياره، ونكتة الحذف بقاء صورة الكلام دالة على أنه قاتل نفسه إذا قتل الآخر، ومخرج نفسه إذا أخرج الآخر، لأنهما كواحد للنسب أو للدين، ولأنه كما يدين يدان فيقتل إذا قتل ويخرجه إذا أخرج من طبع الناس المجازاة، فإذا قوى المغلوب أخرج ولا سيما القصاص، فإن الشرع والطبع كليهما يدعوان إليه، وإن قلت. كيف أضيفت دما لبعض والأنفس كذلك؟ قلت مسوغ ذلك أن البعض يجوز إطلاقه على فرد وفردين وثلاثة وأكثر، فتشمل الأنفس والدماء نفس المفروض على حدة، والمفروضَيْن على حدة، والثلاثة المفروضِينَ كذلك فصاعداً ودماؤهم وكذلك الديار ولا سيما أنه يجوز اعتبار أجزاء دم الواحد، فيقال له دمه فيعبر عن قتله بسفك دمائه، وكذا أجزاء نفسه وتشمل الديار ديار الواحد ودار كل أحد، ويجوز كون الأصل لا يسفك بعضكم دم بعضكم، ولا يخرج بعضكم نفس بعض من دار بعضكم، أى من داره كلما حذف المضاف ساغ جمع الدم والنفس والدار، لأنهن يضفن للجميع ويحتمل ألا يقدر مضاف، بل يخرج الكلام على المجاز المرسل الذى علاقته سببية أو المسببية أو هما أو اللازمية أو الملزومية وهما بأن عبر عن قتل الإنسان أخروا إخراجه من داره بقتل الإنسان نفسه وإخراجه من داره، لأن فعله ذلك بالآخر يؤدى إلى أن يجازى بما فعل أو على المجاز الاستعارى بأن يشبه الإنسان بالآخر حتى كأنهُ نفسه لجمع النسب، أو الدين أو كليهما بينهما، وقبل المعنى لا تفعلوا ما يكون سبباً لسفك دمائكم وإخراجكم من دياركم من الشرك والزنى وقتل النفس المحرمة والفساد فى الأرض، فنهى عن المسبب وهو اللازم وأراد النهى عن السبب وهو الملزوم، وقيل المعنى لا تخسروا أنفسكم الخسران الحقيق بالإصرار على الشرك والمعاصى، فإن هذا هو القتل الأبدى الدائم، ولا تخرجوا أنفسكم بالإصرار على ذلك من ما دياركم فى الجنة، فإن هذا الإخراج الحقيقى، وأصل دم دمى بإسكان الميم، وقيل دمو كذلك حذفت لامه وأعرب على العين. { ثُمَّ أَقْرَرْتُم } بالميثاق ولزوم الوفاء به، أو بأنكم فيكم الميثاق وأخذ منكم { وَأَنْتُم تَشْهَدُونَ } حال مؤكدة وإن جعلنا الخطاب السابق لأسلافهم وهذا لهم كانت الجملة مستأنفة، أى وأنتم تشهدون على أسلافكم أنهم أقروا بالميثاق والتزامه، ولك أن تجعل إقرارهم وأنتم تشهدون كله خطاب لهم لا خطاب لأسلافهم، كانت الجملة الثانية حالا مؤكداً، وكان إسناد الإقرار إليهم مجازاً، وأصله أن يسند لأسلافهم، وحقيقة الكلام أن يقال ثم ذكرتم ذلك عن أسلافكم وأنتم تشهدون، أو الجامع أن كلا من الإقرار والذكر تكلم بما هو الواقع أو عبر بالإقرار لأن مضرة أسلافهم مضرة لهم، أو لأنهم على طريقهم فإقرارهم على أسلافهم إقرار على أنفسهم.