الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

{ بَلَى } نفى للنفى الذى فى قولهم { لن تمسنا } أى لن تمسكم النار إلا أياماً معدودة، بل تمسكم أبداً ونفيه بهذه الكلمة كلمة بلى فقط أبلغ لكونه كالبرهان على بطلان قولهم، لأنه نفىٌ أعم من كونه دائماً أو غير دائم، وتختص بلى بالنفى غالباً وتدركونها بعد الإثبات، واستشهد له ابن هشام بما فى صحيح البخارى فى كتاب الإيمان " أنه عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قالوا بلى " وبما فى صحيح مسلم فى كتاب الهبة " أيسرك أن يكونوا لك فى البر سواء؟ قال بلى، قال أبداً. أو بما فيه أيضاً أنه قال أأنت الذى لقيتنى بمكة؟ فقال له المجيب بلى ". { مَنْ كَسَبَ } الكسب جلب النفع، والاكتساب استجلابه، ولكن علق الكسب هنا بالشر وهو السيئة، على طريق التهكم، بمن فعل السيئة، وأحاطت به خطيئاته، ووجه ذلك أنه شبه عمل السيئة بعمل الحسنة جامع الرغبة فى كل، وعلاج العمل فاستعار لعمل السيئة ما وضع لعمل الحسنة، والخير هو الكسب واشتق منه كسب وسيئة قرينة ووجه آخر أنه أطلق الكسب المخصوص بالخير على مطلق العمل استعمالا للخاص فى العام، فاشتق منه كسب فهو مجاز مرسل تبعى. { سَيِّئَةً } خصلة قبيحة وهى الذنب الكبير، سواء كان نفاقاً أو شركاً، ومن الذنوب الكبيرة الإصرار فإنه نفسه كبيرة سواء كان على الصغيرة أو الكبيرة، والدليل على أن السيئة الكبيرة قوله { فأولئك أصحاب النار } ويحتمل وجه آخر وهى أن السيئة الذنب صغيراً أو كبيراً، ثم يختص الكلام بالكبير بقوله { وأحاطت به خطيئَاته }. وإن قلت روى قومنا عن ابن عباس رضى الله عنهما أن السيئة هنا الشرك وكذا قال الشيخ هود رحمه الله إنها الشرك، قلت ما ذكرته أولى مما ذكراه، فإن لفظ السيئة عام وحمله على العموم أولى إذ ذلك تفسير منهما لا حديث ولا سيما أنهما وقومنا يعترفون بأن الكبيرة تدخل فاعلها النار، ولم يحصروا دخولها على الشرك، ومعترفون بأن لفظ الخلود يطلق على المكث الكبير سواء كان أبديا أو غير أبدى، وادعاء أن الخلود فى الموحدين بمعنى المكث الطويل، وفى المشرك بمعنى المكث الدائم استعمال للكلمة فى حقيقتها ومجازها وهو ضعيف، وأيضاً ذكر إحاطة الخطيئات ولو ناسب الشرك كغيره لكنه أنسب بغيره لأن الشرك أقوى. { وَأحاطَتْ بِهِ خَطِيئَاتُهُ } ربطته ذنوبه وأوجبت له دخول النار فصار لا خلاص له منها كمن أحاط به العدو أو الحريق، أو حائط السجن وذلك بأن مات غير تائب، وقيل معنى الإحاطة أن ذنبه أغلب من طاعته، ومن مشدقة أصحابنا من يقول بذلك، شبه الخطيئات بنحو الحائط الدائر فى مضرة على شئ، وأحاطت رمزاً وشبه إيباق خطيئاته له إلى النار وقصرها إياه على النار بدوران الشئ الضار على شئ، وقرأ غير نافع خطيئته بالإفراد والهمز وقرأ بعض من هو خارج العشرة خطاياه وقرئ خطيئته بالإفراد، وقلب الهمزة ياء وإدغام الياء فى الياء وخطياته بالجمع والإدغام كذلك، وتوحيد الموحد وإقراره عن الإحاطة لاتفاق الأمة على جواز دخول الفاسق النار، وقد غلط القاضى، والخطيئة فى قراءة الإفراد يحتمل أن تكون هى السيئة المذكورة أولا، ويحتمل أن يراد به الجنس كما صرحت به قراءة الجمع، وفى قراءة الجمع واحتمال إرادة الجنس فى قراءة الإفراد تلويح بأن المعصية تجر لأخرى مثلها ودونها وأكبر، وهكذا إذا لم يشعر بالتوبة عنها ويستحسنها بالطبع ويبغض من يعارضه عنها وما يعارضه عنها، ويعادى على ذلك ويكذب ناصحه وهذا غير بعيد فى الموحد، وذلك أشد عقابا أن يعاقب على معصية بجذلانه إلى أخرى، ومن ذلك فى المشرك قوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4