الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي ٱلْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ }

{ قَالَ } موسى. { إِنّهُ } أى الله أو الشأن. { يَقُولُ } أى الله. { إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَ ذَلُولٌ } لا وما بعدها نعت بقرة، على حد ما مر فى { لا فارض } أى بقرة غير ذلول أو بقرة لا هى ذلول أو لا عاطفة على نعت محذوف، أى بقرة مستصعبة لا ذلول، وذلول فعول بمعنى فاعل، ولذلك لم يقل ذلولة بالتاء. ولو كان بمعنى مفعول لقيل ذلولة لكون الغالب ذلك وهو صفة مبالغة، أى غير كثيرة الذل لأنها لم تذلل لشق الأرض وسقيها للزرع، وإنما فيها الذل المخلوق فى مطلق الأنعام كما قال الله تعالى { وذللناها لهم } وقرأ أبو عبدالرحمن السلمى لا ذلول بفتح اللام على أن لا هى العاملة عمل أن وخبرها محذوف، والجملة نعت بقرة، أى لا ذلول فى الموضع الذى هى فيه، وذلك كناية عن أنها غير ذلول، إذ لو كانت ذلولا لكان فى الموضع الذى هى فيه حيوان ذلول هو هى، كما يقال مررت برجل لا بخيل ولا جبان أى فى الموضع الذى هو فيه. { تُثِيرُ الأَرْضَ } تقلب الأرض للزراعة، والجملة نعت ذلول أو بقرة داخلة فى النفى، أى انتفى ذلها، وانتفى إثارتها الأرض هذا هو الصحيح، ومذهب الجمهور. وقال بعضهم إنها مستأنفة مثبتة، أى من صفتها أنها تثير الأرض ولا تسقى الحرث، وعلى الإثبات بجو كونها نعت ذلول كأنهُ قيل ليست بالذلول التى تثير الأرض، وإن قلت يلزم على هذا أن يفهم من الكلام أنها الذلول التى لا تثير الأرض؟ قلت لا يلزم. لأن الكلام حينئذ يكون من القضايا التى تصدق بنفى الموضوع من أصله، أى لا ذلول هنا أصلا مثيرة ولا غير مثيرة. { وَلاَ تَسْقِى الْحَرْثَ } معطوف على تثير الأرض، فهى فى حكمه من استئناف أو نعت، وإنما أعيدت لا على جعل تثير داخلا فى النفى للتأكيد، وليكون الكلام نصا فى عموم السلب بعد تسليم دخول تثير فى النفى، ولو أسقطت لا لكان محتملا لسلب العموم، وقرئ تسقى بضم التاء من أسقى بالهمزة، والساقية والمسقية التى ترفع الماء من البئر للزراعة مثلا كما هنا. { مُسَلَّمَةٌ } سلمها الله عز وجل من العيوب، قاله ابن عباس وغيره. وقال مجاهد سلمها الله من الألوان وجعل لونها واحداً، وعلى هذا الوجه يكون قوله { لا شية فيها } تأكيداً له فى المعنى، وكالنتيجة له فيكون قوله { لا شية } بمعنى سلمت من الألوان، كأنه قيل سلمها الله فسلمت، والمعنى لم يخالط صفرتها لون آخر ولو قليلا، ويقال سلم له كذا إذا خلص له، وقيل سلمها أهلها. قلت أو الله من العمل، لأن كل ما فعله مخلوق فالله خالقه وليس قوله مسلمة بناء مبالغة من السلامة، كما قيل لأن التشديد فى هذه الكلمة للتعدية ولا تحصل التعدية بدونه وبدون الهمزة فى مادة السلامة من هذا المعنى، ولولا التشديد لقيل سالمة أو سليمة، إلا أن يراد أن التعبير بالتسليم أو كد منه بالسلامة ترجيحاً للنسبة الإيقاعية على الوقوعية، ولأن التشديد يكون فى الجملة للتأكيد.

السابقالتالي
2 3 4