الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }

{ خَتَمَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ } هذه الجملة الفعلية ومتعلقاها اللذان هما على قلوبهم وعلى سمعهم، والجملة الاسمية بعد ذلك تعليل لاستواء الإنذار وعدمه عندهم ولعدم إيمانهم، فذلك من التعليل الجملى المستأنف كقولك لجائع كل إنك جائع، ويجوز كون ذلك مستأنفاً لبيان ما يتولد عى استواء الإنذار وعدمه، وعلى عدم الإيمان من ختم الله عز وجل على قلوبهم وسمعهم. والختم على الشىء الإغلاق عليه وكتمه ويسمى الاستيثاق إذا كان بضرب الخاتم على الشىء ختما، لأنه كتم له. ويسمى أيضاً بلوغ آخر الشىء ختما لأنه آخر ما يفعل فى إحراز ذلك الشىء وإن قلت إذا كان الله هو الذى ختم على قلوبهم، فكيف يعذبهم على كفرهم؟. قلت التحقيق أنه ليس ذلك الختم على طريق الجبر على الكفر بل أتوا الكفر باختيارهم، فعذبهم على كفرهم باختيارهم وإعراضهم عن الآيات، ولكن لما كان كفرهم مخلوقاً لله - جل وعلا - سما ما يتولد منه من زيادة كفر ختما منه تعالى، وإن شئت فقل لما كان ما يتولد على غيهم وتقليدهم وإعراضهم عن الآيات من زيادة كفر واستحبابه، واستقباح الإيمان ومتعلقاته، ومن ملازمة ذلك والجرأة عليه مخلوقاً لله تعالى، سماه ختما من الله - عز وجل - وإن شئت فقل لما كان حدوث ذلك خلقاً من الله سماه ختما منه تعالى وفى التعبير بختم استعارة تصريحية تحقيقية تبيعة شبه خلق عدم نفود الحق فى القلوب وتحقق كلال الأسماع وامتناعها عن سماعه سماعا موصلا إلى القلوب، بالإغلاق على الشىء، والمنع من الوصول إليه، بجامع انتفاء التوصل من خارج إلى داخل، وعدم الانتفاع بداخل. فكما لا ينتفع بسمن مختوم عليه فى خابية ما دام مختوماً عليه، كذلك لا ينتفع بقلب فى داخل الجسد فاسد، ولا يسمع داخل الأذن لا يوصل مسموعه إلى القلب أيضاً لا نافعاً، فكان خلق عدم النفوذ وتحقق الكلال من جنس الإغلاق على شىء، فسمى باسم الإغلاق على شىء واسمه الختم، فاشتق من الختم بمعنى الخلق لعدم النفوذ وتحقق الكلال ختم بمعنى خلق عدم النفوذ وتحقق الكلال. فاستعاره فى ختم تابعة لها فى الختم وليس المشبه مخيلاً فكانت تحقيقية، وقد صرح بلفظ المشبه وهو ختم فكانت تصريحية، وإن شئت فقل فى قوله { خَتَمَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ } استعارة تمثيلية، بأن تقول شبه القلوب وعدم نفوذ الحق فيها وخلق ذلك العدم والإسماع وكلالهما، وخلق ذلك الكلال بإناء وشىء فيه والإغلاق على ذلك الشىء بجامع مطلق وجود وعاء وشىء فيه، وعدم الوصول للشىء الذى فيه. بل حفظت عن بعض كتب عصام الدين فى الاستعارات وغيره أنه لا يعدل عن الاستعارة التمثيلية إلى المفردة ما وجدت التمثيلية، وهى المركبة.

السابقالتالي
2 3 4