الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ }

{ قَالُوا } لموسى. { ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هى } الذى فى كتب المعانى والبيان أن ما يسأل بها على الجنس غالباً، تقول ما فى ذلك الذى ظهر إنسان أم فرس أم جمل.. ونحو ذلك، وها هنا أمروا ببقرة فقد علموا الجنس، ومع علمهم به سألوا بما، وكان الأنسب لهم أن يسألوا بكيف أو بأى، لأن كيف يسأل بها عن الحال، وأى يسأل بها فى طلب التمييز من الجملة، فيحتمل أن تكون ما هنا سئل بها فى طلب التمييز كأى، أو سئل بها عن الحال ككيف على غير الغالب، كأنهم قالوا بيِّن لنا أى فرد هى من أفراد البقر، أو كيف هى فى الكبر والصغر. وإن قلت قوله { لا فارض ولا بكر } يناسب قولك كيف هى فى الكبر والصغر، ولا يناسب قولك أى فرد هى من أفراد البقر، قلت يناسب أيضاً قولك أى فرد هى من أفراد البقر بوجه هو مجازاته تعالى لهم على مقتضى استقصائهم فى السؤال تشديداً عليهم، كما شددوا على أنفسهم، وذلك أن قوله { لا فارض ولا بكر } لا يقنع من يطلب تعيين الفرد، فيحتاجون بعد إلى السؤال، وهذا كما تقول لغلامك اشتر لى من رجل بقلا، فلو مشى إلى رجل ما واشترى عنه لكفى، لكنه قال من هو ذلك الرجل الذى تأمرنى به فتابعته على سؤاله؟ فقلت له رجل قصير كوسج. فقال لك فى أى موضع هو؟ فقلت له فى رحبة كذا. فقال من هو؟ قلت هو الذى بين دكان فلان ودكان فلان. فلو قلت بعد سؤاله الأول الذى هو بين الدكانين لكفى، ولكنك طاولته لما تطاول، ويحتمل أن ينزلوا البقرة منزلة ما لم يعرفوه من أى جنس فسألوا بما، وذلك أنهم قد علموا من حزم موسى واستعاذته من الجهالة أن ميتهم يتبين قاتله بالبقرة التى أمرهم بها، لكنهم استعظموا بقرة يتبين بها قاتل ميت ويحيا بها ميت، فكأنها لمكانها من الغرابة لم يعرفوها من أى جنس. { قَالَ } موسى. { إِنَّهُ } أى الله سبحانه وتعالى. { يَقُولُ إِنَّها } أى البقرة التى أمركم بذبحها. { بَقَرَةٌ لاَ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ } لا فارض بمنزلة المضاف والمضاف إليه، والمضاف نعت بقرة، كأنه قيل بقرة غير فارض وغير بكر، ونزلت لا ومدخولها منزلة اسم فكان الإعراب فى آخر الجزء الثانى وهو فارض، فمجموع { لا فارض } نعت بقرة كما جعل إلا الله نعت لا إله ووجه آخر كوفى أن تكون لا اسم انتقل إعرابه لما بعده لمجيئه على صورة الحرف، ووجه آخر أن تكون لا داخلة على مبتدأ محذوف، والجملة مقول لنعت محذوف، أى بقرة مقول فيها لا هى فارض ولا هى بكر، ولولا ذكر عوان بعد لقلنا لا عاطفة على محذوف نعت، أى بقرة أوسط لا فارض ولا بكر، ويحتمل هذا الوجه أيضاً على جعل ذكر عوان توكيداً له فى المعنى، وعوان خبر لمحذوف، وإن جعلنا عوان نعتا لبقرة كانت لا عاطفة على بقرة، والفارض الكبير السن، يقال فرضت البقرة فروضاً من الفرض بمعنى القطع، كأنها قطعت أسنان فمها أو قطعت أعوامها، أو قطعت الولادة أو قطعت قوتها.

السابقالتالي
2 3