الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }

{ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ } والله لقد علمتم يا معشر اليهود. { الَّذِينَ اعْتَدَوْا } جاوزوا الحد الذى قد حدّه الله ـ عز وجل ـ لهم. { مِنْكُمْ فى السَّبْتِ } أى فى أمر تعظيم اليوم الذى بعد الجمعة، والسبت التعظيم، يقال سبتت اليهود إذا عظمت اليوم الذى بعد الجمعة، ومعنى اعتدائهم فى تعظيمه تركهم تعظيمه إذا اصطادوا فيه، وسمى اليوم الذى بعد الجمعة باسم تعظيمه، وأصل السبت القطع، يقال سبت رأسه أى حلقه، والنعال السبتية هى المزالة الشعر، وجعل النوم سباتاً أى قطعاً للاشتغال، فيستريح النائم. فالراحة من لوازم السبوت لا معنى للسبوت خلافاً لبعض، وسمى ذلك اليوم باسم القطع وهو السبت، لأنهم أمروا فيه بقطع أشغال الدنيا، أو لأنه لم يقع الخلق فيه، بل انقطع عنه بتمامه يوم الجمعة، ولا مانع من أن يراد بالسبت نفس اليوم. واعتداؤهم فيه هو اصطيادهم فيه. روى أن الله عز وجل أمر موسى عليه السلام بيوم الجمعة وعرفه فضله، كما أمر به سائر الأنبياء عليهم السلام، فذكر موسى ذلك لبنى إسرائيل عن الله سبحانهُ وأمرهم بالتشرع فيه فأبوا وتعدوه إلى يوم السبت، فأوحى الله إلى موسى أن دعهم وما اختاروا من ذلك، وامتحنهم بأن أمرهم بترك العمل وحرم عليهم صيد الحيتان، وشدد عليهم المحنة بأن كانت الحيتان تأتى يوم السبت حتى تخرج إلى الأفنية، قاله الحسن بن أبى الحسن، ولا بعد فيه لأن من الحوت ما يحيا فى البر أو أراد أنها تذهب وتنتشر حيث انتشر الماء، ولو انتشر إلى أفنيتهم أو أقدرها الله على ذلك امتحاناً لهم، وقيل حتى تخرج خراطيمها من الماء لأن ألهمها الله تبارك وتعالى أنهم امتحنهم بها، أو ألهمها الله أنها مأمونة لا تصاد يوم السبت، كما ألهم الله سبحانه وتعالى الأمن حمام مكة، وكما ألهم الأمن هذه الطيور الذاهبة إلى الحمرة التى ألفتنا فى بيوتنا المسماة بلغتنا بُعد بضم الموحدة والعين المهمة، وإسكان الدال المهملة، أو تخرج كذلك لأمر يعلمه الله، وإذا ذهب السبت ذهبت الحيتان، ولزمن قعر البحر ولا يرى إلا القليل، حتى يكون يوم السبت قال الكبى كانوا فى زمان داود بأرض يقال لها أيلة، بمكان من البحر تجتمع فيه الحيتان فى شهر من السنة كهيئة العيد، تأتيهم منها حتى لا يرى الماء، وتأتيهم فى غير ذلك الشهر كل يوم سبت، كما تاتيهم فى ذلك الشهر، فبقوا على ذلك زماناً، وأنا أظن أن الحوت يقل فيما يليهم من البحر ولو فى قعره فى غير السبت، أو تتصعب عن الاصطياد من قعر البحر ولو كثرت امتحاناً، واشتهوا الحوت فعمل رجل يوم السبت فربط حوتاً وضرب له وتداً بالساحل، ولما ذهب السبت جاء فأخذه، فسمع قوم بفعله فصنعوا مثل ما صنع، وقيل بل حفر رجل فى غير السبت حفيراً يخرج إليه البحر، فإذا كان يوم السبت ظهر الحوت ودخلهُ، فإذا جزر البحر وبقى الحوت أو يبقى الماء فيه مع الحوت، فإذا ذهب السبت أخذه، ففعل قوم مثل ما فعل وكثر ذلك، ثم صادف ليلة السبت ويوم السبت علانية، وباعوه فى الأسواق فكان هذا من أعظم الاعتداء وكانت فرقة من بنى إسرائيل نهت عن ذلك فنجت من العقوبة، وفرقة لم تنه وقيل نجت وقيل هلكت وذلك فى قرية بالشام وتسمى أيلة، وذلك فى زمان داود عليه السلام.

السابقالتالي
2 3 4